فكرة التكافل الاجتماعي التي تسعى الكثير من المنظمات والجهات العالمية والمحلية على ترسيخها، هي فكرة ليست وليدة اليوم، وليست وليدة أي أنظمة تدعي الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو حرية الفرد، بل هي فكرة عميقة لها أصولها في الدين الإسلامي، وفي غيرها من الأديان السماوية، والحضارات السابقة التي كانت ترتكز على قيمة الإنسانية وتقوية المجتمع. ويحق للمسلمين في كل مكان أن يفتخروا بأن الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى بأن يكون خاتم الأديان السماوية، قد رسخ وبشكل متين، مفهوم التكافل الاجتماعي، ومفهوم حق الإنسان على أخيه الإنسان. كان الحديث مطولاً، وعدد أفكاره لا تحصى، حول هذا المفهوم، وتلمس أسسه الشرعية، من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وسير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى سير بعض الصالحين في التاريخ الإسلامي. فبر الوالدين الذي أوجبه الله تبارك وتعالى على كل إنسان، والإحسان لهم، ومصاحبتهما بالمعروف، وبذل كل شيء في سبيل إرضائهما، هو جزء أساسي من ثقافة التكافل الاجتماعي التي إن انعدمت أو تهاوت وصلت المجتمعات الإنسانية إلى مستويات من التفكك الأسري والقهر والذل كما وصلت إليه بعض الفئات في الدول الغربية. صلة الرحم التي أمر بها الله سبحانه وتعالى كل مسلم بها، هي جزء أساسي أيضاً من ثقافة التكافل الاجتماعي، فأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، والحقوق التي لهم لا يمكن أن تؤدى لعظيم شأنها وكبر حجمها. تكافل الجيران والجار الذي بات في الشريعة الإسلامية له (حق) على أخيه المسلم، جزء أساسي أيضاً من مفهوم وبنية التكافل الاجتماعي. ولعل حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن حق الجار على الجار، فيما يقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) متفق عليه، فيه الدليل القوي بأن شمول الجار في أنظمة التكافل الاجتماعية هو مفهوم أساسي ولازم. كما أن حق الفقير على الغني في الزكاة التي يدفعها، أو الصدقة التي يتصدق بها، هي جزء عظيم في ثقافة التكافل الاجتماعي التي لو طبقت كما أمر بها ديننا الإسلامي، لما وجدت الدولة من تساعده أو تتكفل به، لأن الغني الساعي للخير يكون قد سبقها إليه. ولم تقف الشريعة الإسلامية السامية عند حدود من نعرف، بل شملت أيضاً من لا نعرف، ففي الدين الإسلامي حث على مساعدة الأسير، واليتيم، والمساكين، والعمال والخدم. وأوصلت الشريعة السمحة بالتكافل والتعاضد إلى المرضى في عظيم أجر زيارتهم، بل وإلى الأموات في عظيم الصلاة عليهم، والدعاء لهم، والمشاركة في دفنهم. التكافل الاجتماعي هو ثقافة واسعة وراسخة في الإسلام، ولا يمكن تصور مدى عظمة ورفعة وسمو أي مجتمع يرسخ هذه الثقافة كما جاءت في الشريعة الإسلامية. ولو أننا نحن المسلمين قمنا بها على الوجه الذي أمرنا بها الله تبارك وتعالى، لأصبحنا المجتمع الذي يحق له أن يقول (أنا مجتمع مسلم)، ولكن مع كل أسف، ربما لا يحق للكثيرين أن يفتخروا بهذا الانتساب، وهم يسقطون بملء إرادتهم هذه الحقوق التي فرضها الله علينا للآخر، والآخر هو في التالي نحن، لأن اليد الواحدة التي تمتد نحو الآخر، ستجد في مقابلها أيادٍ عديدة تمتد إليها. السؤال الذي يستحق أن يجاوب عليه كل مسلم: لماذا لا أبدأ من الآن؟. انظر حولك، إلى والديك، أقاربك، جيرانك، زوجك وأولادك، الأيتام، الأرامل، الأسرى، المرضى، الأطفال، المساكين، الفقراء، المستضعفين، سيجد كلّ منا من يحتاج إلى مد يد العون تجاهه، ومساعدته، ولا ننتظر أجراً من أحد، أو براً من أحد، لأن هذا العمل لله تعالى، وهو من يصب العطاء على من يقوم به صباً. فابدأ بنفسك.. من الآن، واسأل الله أن يعينك ويؤجرك على هذه العبادة المنسية.