بقلم: عبد العزيز كحيل إذا أراد الإنسان نموذجا حياّ للاستيلاب الفكري والهزيمة النفسية فلينظر إلى احتفال بعض المسلمين بميلاد السيد المسيح عليه السلام وابتهاجهم برأس السنة الميلادية، أفليس من العجب العجيب أن تختفي مظاهر الفرح بعيد الفطر والأضحى أوتكاد في بعض البلاد الإسلامية وتنتشر احتفاء بالأعياد النصرانية لتعمّ واجهات المحلات وتتناقل أخبارها الجرائد والفضائيات وتقام لها الاحتفالات شبه الرسمية وتنظّم من أجلها رحلات خاصة إلى باريس وتونس وغيرهما من المدن المتحررة . ليس عيد الميلاد مناسبة عالمية ولا رمزا إنسانيا كما يزعم العلمانيون العرب إنما هو- من الناحية الشرعية - شعيرة دينية مرتبطة بالدين المسيحي لا علاقة للمسلم بها إطلاقا، فمن احتفل به كان كمن تقلّد صليبا تماما، وكلّنا نعلم أن من تشبّه بقوم (أي في خصائصهم الدينية وليس في الجوانب الإنسانية المحايدة) فهومنهم، والمرء مع من أحب، ولعلّ أخطر ما في هذه القضية، بالإضافة إلى اقتراف ما نهى الله تعالى عنه، تأثيراتها النفسية على قوم فعل فيهم الغزوالفكري فعله فهانت عليهم شخصيتهم الإسلامية وفرّطوا في تميزهم العقدي وما عادوا يعتزّون بالإسلام بل صاروا يبتغون العزّة في ديانات وفلسفات ونظم أخرى رغم ما يرون بأعينهم ويلمسون بأيديهم ما نقلهم إليه هذا التحوّل إلى غير ظل الإسلام من ذلّ ومهانة وتفاهة، فما الذي يغري هؤلاء بتقليد النصارى والاحتفال بأعيادهم؟ إنها الشبهات خلعت على تصوّرهم غبشا يزيد ولا ينقص فيزعمون أن المسيحية دين إنساني بينما الإسلام دين التكاليف الشاقّة والتضييق على الحرّيات والإرهاب، وإلى جانب الشبهات التي رانت على عقولهم هناك الشهوات التي تبيحها المسيحية ويحظرها الإسلام، وهل الاحتفال بالميلاد سوى عبّ للخمور وارتماء في حمأة الجنس بلا حدود؟ ثم أين هؤلاء المسيحيون الذين يشاركهم بعض بني جلدتنا أعيادهم من الدين المسيحي الذي يدعو- كما يروّجون بافتخار-إلى السموّ الروحي والتطهّر والمسامحة والتواضع؟ إن الغربيين هم أبعد الناس عن هذه المكارم، بل لا علاقة لهم بالدين البتة ماعدا أقلية هي أقرب إلى قطرة في عرض المحيط، أليسوا عبيدا للمادة وحدها؟ ما الذي يتمثّلونه في حياتهم من تعاليم السيد المسيح عليه السلام؟أين الصفح عن المعتدي؟ أين إدارة الخدّ الأيمن بعد تلقي ضربة على الأيسر؟ أين شعار أحبّوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم ؟ أليس الغرب المسيحي علما على العدوانية تنظيرا وسلوكا؟ أليس هوالذي احتلّ بلادنا الإسلامية بمباركة الكنيسة ثم مزّقها ومازال يعمل على إبقائها متخلّفة هزيلة؟ أين تسامح المسيحية الذي يصمّون الآذان به؟ لم يتسامحوا مع أربع مآذن يتيمة في بلد كامل ولا مع عشرات قليلات من المنقّبات وسط 35 مليون امرأة فرنسية سافرات، ولا يسمحون للمسلمين بذبح الأضاحي بدعوى الشفقة على الخرفان؟ هكذا يعاملوننا استنادا إلى اعتزاز مزعوم بالنصرانية، فما بال بعضنا غمرهم الحمق وتأصّل فيهم الغباء يستبدلون الذي هوأدنى بالذي هوخير؟. إنهم ضحايا الغزوالفكري، انهزموا نفسيا قبل أن تهزمهم جيوش في ساحات الوغى، ولوقصروا الاستيلاب الحضاري على أنفسهم لهان الأمر لكنهم يدعون إلى هذا الباطل بإلحاح، فما إن يحلّ شهر ديسمبر حتى تمتلأ الجرائد بالإشهار والإعلانات الداعية إلى حجز المقاعد في الطائرات القاصدة عواصم الفجور، وحجز الطاولات في الفنادق المحلية التي ستحيى فيها ليلة الميلاد وليلة رأس السنة وتحضر فيها كل الرموز المسيحية كالشجرة المزيّنة والديك الرومي والخشبة، مع إغراءات في الأسعار ووعود باستضافة أشهر المطربات المسترجلات والمطربين المخنثين... وتتكفل قنوات مرئية ومسموعة بنقل مثل هذه الاحتفالات، ولا يجوز لأحد التشكيك في إسلام هؤلاء، فهم وحدهم المسلمون حقا، يؤمنون بالتفتّح وينبذون التعصّب ويتبرأون من الأصوليين الظلاميين الذين يريدون إرجاع الدنيا إلى القرون الوسطى... أجل، هكذا يزعمون... وصدق العلامة أبوالحسن الندوي رحمه الله تعالى فقد كتب: ردّة ولا أبا بكر لها ، ردّة اسمها الليبرالة أوالعلمانية أوالتنوير أوالنزعة الإنسانية. إن على دعاة الإسلام أن يلتفتوا إلى هذه الظاهرة بعمل منهجي واع بصير يهدف إلى تجلية الحقائق وردّ الشبهات والتنبيه على المخاطر العقدية المحدقة بهذا الانحراف وذلك بأساليب هادئة هادفة تتوخّى الموضوعية وتتجنّب التعميم في التكفير والتبديع خشية تسلّط شياطين الإنس والجنّ على المدعوين لتأخذهم العزة بالإثم فلا يبقى لهم مجال للتوبة إلى الله تعالى والرجوع إلى حياض الإسلام، والدعوة بالحسنى لا تعني التساهل مع المخالفات الشرعية والانحرافات الفكرية فلا بدّ من محاصرة الباطل ببيان حرمة تزيين واجهات المحلاّت بمناسبة أعياد غير المسلمين ولا صنع شوكولاتة خاصة بها ولا بيعها ولا شراؤها ولا أكلها، كما لا يجوز بحال تبادل التهاني ولا تبادل بطاقات تحمل عبارات مثل عيد سعيد ونحوها، ولا اتخاذ هذه المناسبة عطلة مدفوعة الأجر. أعيد التنبيه إلى ضرورة اعتزاز المسلمين بدينهم والحرص على التميّز العقدي وقوة الشخصية الإيمانية، فهذه الأعياد المسيحية إهانة لعيسى عليه السلام قبل غيره، فهل من تبجيله تعاطي الخمور واستباحة الفواحش في ذكرى ميلاده؟ مع العلم أن السياق القرآني يشير إلى أنه لم يولد في الشتاء بل في موسم التمور... فهوإذن احتفال باطل من كلّ الوجوه. قال الله عز وجل: ومن أحسن قولا ممّن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنّني من المسلمين - سورة فصلت 33.