المادة 341 من قانون العقوبات لا تفي بالغرض عم الفساد وشاع في المجتمع الجزائري بشكل خطير ورهيب ما أصبح يستدعي دق ناقوس الخطر وتدخل جميع الأطراف الفاعلين في المجتمع للحد منه، ومن بين الظواهر التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تكون عادية (التحرش الجنسي)، رغم أن كل الديانات السماوية والقوانين الوضعية تحارب الظاهرة إلاَ أنَها تعرف استفحالا وشيوعا كبيرين، وما زاد الطين بلة أن القانون الجزائري شحيح في هذه النقطة الحساسة بالضبط، فهو لا يضم نصوصا تعاقب على هذه الجريمة الأخلاقية بالصرامة، وذلك للرجل والمرأة على حد سواء، في حين فإنَ المشرع الفرنسي كان أكثر صرامة من المشرع الجزائري المسلم. عتيقة مغوفل على ما يبدو فإنَ التحرش لم يعد يقتصر على تحرش الرجل بالمرأة بل تعداه لأبعد من ذلك، فقد أصبحت الكثير من النسوة اليوم تتفننَ في التحرش بالرجل واستمالته، ولعل الدافع الرئيسي لذلك ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع الجزائري، وحلم الظفر بالزوج مبرر الكثير ممن يجعلنَ التحرش ضريعة لهنَ لتحقيق مبتغاهنَ، ولإثراء الموضوع أكثر رصدت (أخبار اليوم)، بعض آراء العنصر الرجالي الذين تعرضوا لهذه الظاهرة.
حاولت التحرش به لتجعله زوج المستقبل أول من قابلنا كان أحد الشبان الجزائريين المغتربين في الجزائر و يتعلق الأمر ب(لؤي) شاب فلسطيني شاءت الأقدار أن يعيش بالجزائر ويزاول نشاطه التجاري فيها، وقد اختار بيع الحجابات على اعتبار أنها تجارة مربحة بالنسبة له وذلك بشارع العربي بن مهيدي بالجزائر العاصمة، وباعتبارنا من الزبائن الدائمين لمحله أصبح يروي لنا أحيانا بعض تفاصيل حياته في بلادنا، وفي آخر مرة زرنا المحل لاحظنا غياب إحدى الفتيات العاملات عنده، والتي كنا نقابلها في كل مرة قصدنا فيها المكان، ويتعلق الأمر بفتاة تدعى (فايزة) صاحبة 22 ربيعا عملت هناك لمدة ثلاثة أشهر، سألنا (لؤي) عن (فايزة) فرد علينا بدون تردد (طردتها)، حاولنا أن نستفسر عن السبب فقال مرة أخرى (إنها تريد أن تتزوجني)، إجابة لؤي عن سؤالنا جعلتنا نصاب بالحيرة والذهول في نفس الوقت، فحاولنا أن نعرف السبب وهنا بدأ لؤي يشرح الأمر قائلا: (كانت فايزة في كل مرة تتودد إلي وتحاول التقرب مني على أساس أنها معجبة بصمودي ومدى تعلق بالحياة رغم أني في ديار الغربة بعيد عن أهلي، وكانت في كل مرة تحدثني عن فارس أحلامها ومواصفات الرجل الذي تريد أن ترتبط به، وشيئا فشيئا بدأت تتودد لي أكثر فأكثر فقد كانت تحضر لي الأكل من بيتها وتقول إنَها من قامت بإعداده، وفي مرة من المرات طلبت مني أن تخيط زرا من قميصي كان ممزقا، فرفضت ذلك إلا أنها ألحت على أن أنزع قميصي، وهناك قمت بطردها من المحل مباشرة دون أي تردد لأني فهمت أن غايتها كانت أبعد من ذلك، فقد كانت تريد أن توقعني في شباك غرامها ثم أتزوج بها). حتى الرقاة لم يسلموا من كيدهنَ وعلى ما يبدو أن ظاهرة تحرش النساء بالرجال جنسيا لم تعد تستثني أي أحد من الجنس الخشن، فقد أصبحت تطال حتى الرقاة، وهو ما رواه لنا الراقي (أبو حمزة) الذي يزاول نشاطه بأحد المحلات ببلكور بالجزائر العاصمة، قصدناه في إحدى المرات وبدأنا نتحدث عن أزمة الأخلاق في الجزائر إلى أن وصل به الأمر وقال: (إن كيدهن عظيم، رغم أني شيخ وراقٍ ورغم ذلك فلم أسلم من كيد النساء)، العبارة التي تلفظ بها الراقي جعلتنا نطرح الكثير من الأسئلة لذلك قمنا بطلب استفسار منه، فقال:(رغم أني ملتحي وأرتدي القميص فمظهري هذا يبعث على نوع من الاحترام والوقار الذي يجب أن تكنه لي كل واحدة تقصد محلي، إلا أنني تعرضت كم من مرة للتحرش من قبل النساء، فمرة أتذكر كانت تتردد علي إحدى الفتيات من أجل علاجها بالرقية الشرعية، وفي مرة من المرات طلبت مني الرقم الهاتفي حتى تتصل بي إن أرادت المجيء عسايا لا أكون في المحل، وهو ما كان، منحتها رقمي الهاتفي، فأصبحت تتصل بي من الحين والأآخر مرة تسألني عن دواء معين ومرة تعرض علي إحدى حالات صديقاتها المهم أن تكلمني وفقط، لكني فهمت ما كانت تريده، وفي إحدى المرات وبينما كنت أرقيها قامت بمسك يدي بحجة أنها كانت تعاني من آلام في بطنها، إلاَ أنَي لم أصدقها فقد كانت تريد الإيقاع بي فقد كانت عزباء تبحث عن زوج وربما رأيت الرجل الذي تبحث عنه). المادة 341 لا تفي بالغرض الشهادتان اللتان سمعناهما جعلتنا نطرح الكثير من الأسئلة، ومن بين الأسئلة الجوهرية التي كانت تتراود على أذهاننا هل المشرع الجزائري يعاقب على تحرش المرأة بالرجل، ومن أجل الإجابة على سؤالنا ربطنا اتصالا هاتفيا بالمحامية (صارة هلالي)، والتي شرحت لنا أن هذا الفعل لم يكن مجرما في القانون الجزائري إلى غاية تعديل قانون العقوبات سنة2004، وقد جاء تجريمه كردة فعل لنمو التحرش الجنسي في مواقع العمل واستجابة لطلب الجمعيات النسائية، وذلك لحماية المرأة من الاعتداءات الجنسية، إلا أن تلك الحماية مقصورة على الاعتداءات الجسدية التي تتطلب اتصالا جسديا بالضحية، في حين لا يقتضي التحرش الجنسي اتصالا جسديا وإنما يأخذ شكل ابتزاز ومساومة لا يمكن للضحية تجنب المضرة، إلا بالنزول عند طلبات المعني والاستجابة لرغباته الجنسية، وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمادة 341 مكرر إذ تشترط المادة أن يكون الجاني شخصا يستغل سلطة وظيفته أو مهنته، ومن ثمة يفلت من التجريم ما يصدر عن زميل في العمل أو عن زبون في مؤسسة. وهنا مربط الفرس فالمادة القانونية سابقة الذكر جاءت فقط لتعاقب الرجل حين يتحرش بالمرأة في منصب العمل، ولم تتناول أبدا موضوع تحرش المرأة بالرجل وفي أي مكان كان، رغم أن شريعتنا الإسلامية حرمت كل مثل هذه السلوكيات، إلا أن القانون الوضعي جاء ناقصا في هذا الباب بالذات، على خلاف القانون الفرنسي الذي أولى الاهتمام حتى للباس المرأة غير المحتشم والذي يثير الرجال في كثير من الأحيان، ففي سنة 1880 أجبر المشرع الفرنسي كافة الباريسيات على عدم لباس السروال والتشبه بالرجل، وكان يجب على كل امرأة تريد أن تلبس سروالا أن تطلب إذنا من طرف رجال الشرطة، وقد بقي هذا القانون ساري المفعول إلى غاية سنة 2013 أين تم إلغاؤه بعد صراع طويل بين رجال القانون وبعض المنظمات النسوية لتضيف الأستاذة صارة هلالي أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط، فقد طلبت الشرطة الفرنسية من الباريسيين الاحتشام في الصيف وذلك سنة 2012، وإلا واجهوا غرامات وعقوبات قد تصل إلى السجن، وقد حددت شرطة باريس قواعد التمتع بالشمس في الهواء الطلق وشواطئ باريس فعند ارتفاع الحرارة، يمكن للمواطنين ارتداء ثوب السباحة ووضع المنشفة، كما حذرت الشرطة من ارتداء أثواب السباحة في منتزهات المدينة الرسمية، مشيرة إلى أنه ينبغي أن تكون هذه الأثواب (محتشمة ومتماشية مع الآداب والنظام العام، وقد فرضت الشرطة غرامة أقلها 38 يورو على من يرتدون أثواب سباحة غير محتشمة، وقد تصل هذه الغرامات إلى 3750 يورو مع عقوبة سجن لمدة سنتين، كما أكدت لنا المحامية صارة هلالي أن قانون الفرنسي المتعلق بالتحرش الجنسي يتضمن فرض عقوبات شديدة، فعقوبة التحرش تصل إلى سنتين و30 ألف يورو غرامة، مع إمكانية تشديد العقوبات في بعض الحالات، كأن يمارس التحرش الجنسي على شخص في وضعيته حرجة، حيث ترفع العقوبة إلى ثلاث سنوات والغرامة إلى 45 ألف يورو، كما أن عقوبة التحرش الجنسي تتراوح ما بين السجن والحبس والغرامة.