هل تذكرون الفيلم المسيء إلى الرسول (براءة المسلمين)، والذي نشر على موقع (يوتيوب)؟ ها هو يعود مجدّدا. إذ بعدما أصدرت محكمة أمريكية قرارا يلزم شركة (غوغل) التي تملك (يوتيوب) بحذف الإعلان الترويجي للعمل ومدّته 14 دقيقة عن الموقع ها هو يعود من جديد، في مخالفة قانونية واضحة لأحكام القانون الأمريكي. قرار المحكمة الأمريكية صدر في شهر فيفري من العام 2014 بعد موجة احتجاجات عارمة في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي. وكانت ممثّلة تدعى سيندي لي غارسيا قد رفعت شكوى أمام المحكمة تقول فيها إنها خدعت للظهور في مشهد قصير جدّا في العمل وتمّ اللعب بصوتها بشكل مخالف للقانون ليبدو وكأنها تقول كلاما مختلفا عن الذي قالته حقيقة، وأن الجملة التي تقولها، والتي فيها إساءة إلى الرسول كانت قد سجّلتها لفيلم آخر. وبناء على طلب الممثّلة رضخت المحكمة الأمريكية وطلبت حذف الفيلم رغم اعتراضات (غوغل) التي قالت إن الحذف يتعارض مع الدستور الأمريكي الذي يكفل حرّية التعبير. * ما الذي حصل؟ لكن ها هو (يوتيوب) يتحدّى القرار القضائي ويسمح بإعادة نشر (براءة المسلمين)، فما الذي حصل؟ الحقيقة أن محكمة أمريكية أخرى نقضت القرار وسمحت بعرض الفيلم (انتصارا لحرّية التعبير). واللجنة التي اتّخذت القرار كانت مشكّلة من 11 محلّفا في محكمة في سان فرنسيسكو. واعتبرت المحكمة أن منع العرض هو انتهاك واضح وصريح لحرّية التعبير التي يضمنها ويكفلها الدستور الأمريكي في بنوده الرئيسية. لكن هذه المرة قرّر المجتمع المسلم في الولايات المتّحدة تجاهل الأمر، (يرديوننا أن نغضب ونستفزّ، لن نعطيهم ما يريدون، يجب ألا نسقط في الفخّ)، قال مدير (المركز الإسلامي) في تكساس الإمام ضياء شيخ لموقع (هافنغتون بوست). فيما أكّد إبراهيم هوبر، المتحدّث باسم (هيئة العلاقة الأمريكية الإسلامية) أنه (علينا أن نفعل أكثر ما يكرهه صنّاع هذا الفيلم وهو تجاهله وندعو الجميع إلى تجاهله أيضا)، مضيفا: (كلّ هذه الأعمال هدفها الدعاية الرخيصة لصنّاع العمل، لن نعطيهم ما يريدون). وكانت أكثر من شركة معنية بالتواصل الاجتماعي وبنشر الأفلام والأفكار والصور على مواقع التواصل قد اعتبرت في العام 2014 ومع صدور قرار مسح العمل عن (يوتيوب) سابقة خطيرة تمنح القضاء حقّ التدخّل في ما يمكن عرضه وما لا يمكن عرضه على مواقع التواصل وعلى شبكة الأنترنت، لكنه في الوقت نفسه يمنح حماية للمشاركين في أيّ عمل مهما كان دوره صغيرا، كما هي الحال مع سيندي لي غارسيا. ومن هذه الشركات كانت (الفايس بوك) و(نتفليكس). * ازدهار الكراهية يأتي قرار السماح بعرض العمل في وقت تزدهر فيه في الولايات المتّحدة (الإسلاموفوبيا)، وينشط قطاع (صناعة كراهية المسلمين) خصوصا مع دخول البلاد مرحلة الاستعدادات للحملات الانتخابية. وفي تكساس تحديدا تبدو الصناعة مزدهرة إعلاميا وفنّيا، فقبل أسبوعين حصل اعتداء على مركز للمعارض كان يقيم مسابقة بين (أفضل الرسوم المسيئة إلى النبي محمد) وحصل يومها إطلاق نار أدّى إلى وفاة المهاجمين. لكن حتى قبل أن تتّضح هوية المهاجمين أو تختم التحقيقات خرجت علينا باميلا غيليير وهي أحد أبرز العاملين في مجال صناعة الإسلاموفوبيا في الولايات المتّحدة الأمريكية بتعابير تتّهم فيها المسلمين بأنهم (بربريون ووحوش ولن نقف مكتوفي الأيدي ولن نرضخ لهم). يومها، وُجِهت غيللر بحملة إعلامية شرسة جدّا، وكشفت أكثر من صحيفة عن امتهان غيللر لمهنة (كراهية المسلمين) وكمّية المبالغ التي تتقاضاها لذلك من عدد من الجمعيات والمتبرّعين. كذلك نشطت في الفترة الأخيرة الإعلانات التي تحرّض على المسلمين، تحديدا منذ هجمات (شارلي إيبدو) الفرنسية، فامتلأت الباصات في فيلاديلفيا مثلا بإعلانات تهاجم الإسلام ورجال المسلمين وتصفهم بالبربريين وتقارن بينهم وبين (حضارة) يهود الاحتلال الإسرائيلي. حصل كلّ ذلك تحت لواء (حرّية التعبير)، من دون أن يصدر أي قرار باعتبار الإعلانات تحريضية وتحفيزا على الكراهية، وهو ما يمنعه القانون الأمريكي.