بقلم: ياسر بودرع* يقول أحد أهم مؤسسي التنظير السياسي الواقعي (نيكولو مكيافيلي) في كتابه (الأمير) (على كل دولة أن لا تبالغ في الاطمئنان إلى سيادتها بل من الواجب و الضروري أن تضع الشكوك دائما نصب أعينها ..) هذه العبارة من شأنها أن تفتح لنا الطريق نحو فهم الأسباب التي تنقل دولتين كبيرتين من حالة الصداقة إلى حالة هي أقرب للعداء أو الأسباب التي تجعل دولة ما تتدخل في دولة جارة لها رغم الروابط الوثيقة بينهما كذلك يمكننا من خلال هذا الإطار فهم خلفية تنافس الدول وتسابقها نحو التسلح.. قبل أيام قليلة اشتعلت أزمة سياسية بين تركياوروسيا وصلت إلى حد تراشق قيادات البلدين وتبادل الاتهامات .. وقتها اعتقد كثيرون أن الأزمة مردها إسقاط تركيا المقاتلة الروسية على حدودها لكن الحقيقة غير ذلك فتجاوز مقاتلة للغلاف الجوي التركي كان لن يحدث ردة فعل كتلك التي قامت بها أنقرة لأنها تعتبر لوقت طويل حليفة لموسكو غير أن هذا الواقع تغير بعد الأزمة السورية إذ أحدثت شرخا عميقا في العلاقات التركية الروسية ومعلوم أن الدول لا تمزح أبدا إذا تعلق الأمر بتهديد مصالحها الإستراتيجية التي تعتبر من صميم سيادتها .. الطائرات الروسية كانت تقصف مناطق لا وجود لتنظيم الدولة الإسلامية فيها بريف اللاذقية الشمالي وتحديدا على جبل التركمان قريبا من الحدود التركية وهي مناطق للتركمان السوريين كما بها عناصر للجيش السوري الحر وكانت تركيا قد حذرت روسيا مرارا من اقترابها من شريطها الحدودي أو ضرب التركمان السوريين .. الآن وقد حدث ما حدث فإن الروس يحسون بنوع من الإهانة وأن الأتراك عبثوا بسمعتهم وردة الفعل الروسية الحقيقية ستكون على الأراضي السورية وإدخالها لمنظومة أس 400 حيز المناوبة الفعلية كان رسالة تريد من خلالها الضغط على تركيا وحلفائها في الحرب على نظام الأسد. هواجس عربية غير بعيد وفي نفس المنطقة تطفو هذه الهواجس والمخاوف على السيادة والنفوذ في الشرق الأوسط فالمواجهة بين السعودية وإيران لم تعد صامتة بعد أن استعر لهيبها وصار يهدد بإحراق المنطقة برمتها فسياسة التمدد التي تنتهجها إيران منذ عقود أشعرت المملكة بخطر حقيقي يمكن أن يفقدها نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة والأخطر من ذلك أن التمدد الشيعي يهدد نفوذها الديني باعتبارها مرجع العالم السني ثم لا ننسى أن التوازن الإقليمي قد اختل في المنطقة منذ أن قرر الغرب رفع العقوبات على إيران والسماح بمضيها قدما في برنامجها النووي .. هذه الأسباب مجتمعة عجلت بردة فعل المملكة فكانت عاصفة الحزم البداية لإعادة ترتيب التوازنات والأدوار والمواجهة غير المباشرة السعودية الإيرانية مستمرة في سوريا والعراق أما على المستوى الدبلوماسي ردت المملكة بحزم على الاستفزازات الإيرانية بعد الاعتداء على سفارتها في طهران وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها .. هواجس السيادة موجودة حتى بين تلك الدول التي توصف بالعظمى فمن لا يتذكر التراشق الإعلامي بين توني بلير وجاك شيراك بعد التشكيك الفرنسي في سلامة لحوم البقر البريطانية قصة تناولها الإعلام العالمي بطريقة أقرب إلى السخرية والتهكم من زعيمين مخضرمين يقودان دولتين كبيرتين حتى أن البعض أطلق على تلك الحادثة (حرب لحوم البقر) .. الحقيقة التي غابت هنا عن الإعلام والجماهير هو ما اعتبرته بريطانيا تهديدا لأمنها القومي من خلال ضرب تجارتها كونها من أكبر الدول التي تعتمد في مداخليها على تصدير اللحوم وتشكيك فرنسا في سلامة لحومها والتوقف عن استيرادها قرار قد تحذو حذوه دول أخرى ما قرأه بلير على أنه تهديد مباشر قد يجر كارثة على الاقتصاد البريطاني وأمنها القومي وردت بدورها على فرنسا عبر تهديدها بفرض حضر تجاري .. إن الخوف على السيادة والنفوذ يجعل قادة الدول يبدون في نظرنا أشبه ما يكونون بالشبان المراهقين وهم يستعرضون رجولتهم وعضلاتهم في سخافة وبلاهة لكن الحقيقة خلاف ذلك لأن تصرفاتهم التي لا نفهمها أحيانا تنبع من الخوف على المصالح القومية للبلد وأهدافه الإستراتيجية الحيوية .. هذا طبعا لا يعني أننا نقيم هذا الخوف وتلك الهواجس بالايجابية بل إنها غالبا ما تكلف الدول غاليا خاصة بالنسبة للدول المتوسطة والضعيفة التي تتسابق نحو شراء مزيد من الأسلحة والإنفاق أكثر على ميزانيات التسلح والدفاع التي ترهق عاتقها وتكون على حساب مستوى تعليم ومعيشة شعوبها .. في النهاية هذه المخاوف التي قد تبقى مجرد هواجس تجعل الدول المتنافسة تفضل خلق مأزق أمني فيما بينها بدلا من العمل على خلق تعاون متبادل يكون في مصلحة الجميع ..