عهد رباني لخير الأنام إنّا كفيناك المستهزئين جرّب أعداء الإسلام كل الوسائل لهدمه والقضاء عليه لكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا ويومًا بعد يوم يزداد عدد المسلمين أمام أعينهم بشكل لم يتوقعوه فلم يجدوا أمامهم سوى ما فعله كفار قريش من قبل وهو الإساءة والشتم واتهام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما ليس فيه من صفات الكل يعرفها. وكلما تناظر اثنان وانهزم أحدهما قفز هذا الأخير للتغطية على هزيمته إلى الصياح والشتم وهو في الحقيقة إعلان عن الهزيمة ليس إلاّ وهذا ما وقع لكل الذين أرادوا النيل من شخص الرسول صلى الله عليه سلم . وجاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة فكيف بمن عادى نبيًا من الأنبياء؟! وكيف بمن عادى خاتم الأنبياء جميعهم وإمامهم؟! وكيف بمن عادى المصطفى الذي اجتباه الله من بين كل البشر ليكون رحمة لهم جميعا؟! تعهد الله أن من يؤذي رسوله الكريم إن لم يعاقب في الدنيا فإن الله سبحانه سيجازيه وينتقم منه ويكفي رسوله إياه كما قال جل وعلا في سورة الحجر: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) سبب النزول والقصة في سبب نزول الآية وإهلاك الله لهؤلاء المستهزئين واحدًا واحدًا كما ذكرها أهل التفسير أن النبي كان يدعو الناس للإسلام سرًا حتى أمره الله بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به ومواجهة المشركين به فعن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) فخرج هو وأصحابه للدعوة جهرًا. وحين فعل ذلك قابله نفر من رؤس قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود ابن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس بالاستهزاء وأشد الإيذاء. وعن هذا قال ابن إسحاق: لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ*إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ*الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). والمعنى: اصدع بما تؤمر ولا تخف غير الله فإن الله كافيك من أذاهم كما كفاك المستهزئين وكانوا خمسة من رؤساء أهل مكة وهم الوليد بن المغيرة وهو رأسهم والعاص بن وائل والأسود بن المطلب بن أسد أبوزمعة والأسود بن عبد يغوث والحارث بن الطلاطلة أهلكهم الله جميعا لاستهزائهم برسول الله.
وسبب هلاكهم فيما ذكر ابن إسحاق: أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام -وقام رسول الله معه- فمر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي ووجعت عينه فجعل يضرب برأسه الجدار. ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه حبنا أي عظم بطنه بالماء الأصفر. ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله وكان أصابه قبل ذلك بسنين وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلًا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء فانتقض به فقتله. ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فمرج على حمار له يريد الطائف فربض به على شبرقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته. ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحا فقتله وقد ذكر في سبب موتهم اختلاف قريب من هذا. ثم هددهم الله في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَ_هًا آخَرَ * فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وهو تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع اللّه معبوداً آخر. وبعدها جاء قوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم ضيق صدر وانقباض فلا يضيقنك ذلك ولا يثنينّك عن إبلاغك رسالة اللّه وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم وعلى غيرهم ممن سيؤذونك سواء في حياتك أو بعد موتك. فاشتغل بذكر اللّه وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة كما قال له سبحانه: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} ولهذا كان رسول اللّه إذا حزبه أمر صلى. ثم اختتم الله كلامه لنبيه المصطفى بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أي الموت.