تدافع الكثير من المهتمين بالشأن السياسي وكذا عديد الأقلام في الصحافة الوطنية إلى الاجتهاد في تحليل الأسباب التي تكون وراء قرار رئيس الجمهورية القاضي بإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم، بصفته وزير دولة مستشار برئاسة الجمهورية. بداية، يجب التأكيد على أن رئيس الجمهورية هو الذي يملك صلاحية التعيين، بمقتضى ما يقره الدستور، ومن هذا المنطلق فهو يمتلك سلطة القرار في العزل، وهذا ما قام به، لأسباب أو دوافع، لا يسأل عنها وهو ليس بحاجة إلى تقديم مبررات أو حيثيات لقراره. بالتأكيد، فإن الرئيس لم يتخذ قراره عشوائيا، بل يكون قد أقدم على ذلك بناء على معطيات واضحة، توفرت لديه وجعلته يسحب ثقته من بلخادم بعد أن كان قد منحها له، بقرار سيادي، لاعتبارات محددة، أملتها ظروف معينة. إذن، قرار الإقالة، يخص الرئيس ولا يملك أي أحد الحق في طلب التفسير أو التبرير، لأن ذلك يتعلق بمبادئ وأصول وأعراف وقوانين وكذا بمنطق الدولة ومسؤولية القاضي الأول في البلاد. قد نجتهد في البحث عن الدوافع والأسباب التي دفعت، ليس فقط إلى إقالة بلخادم، بل إلى إخراجه من الباب الضيق، مما يؤكد أو يبعث على الاعتقاد بأن غضب الرئيس على وزيره ومستشاره كان كبيرا ووصل إلى مداه، وهذا ما تفسره طريقة '' الطرد'' المشينة وطبيعة '' العقوبة'' القاسية، التي تجاوزت حدود ''إنهاء المهام'' من المنصب إلى الحرمان من ممارسة أي نشاطات ذات الصلة مع كافة هياكل الدولة وكذا على مستوى حزب جبهة التحرير الوطني، حيث يقضي القرار ب '' اتخاذ الاجراءات اللازمة لإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم ضمن الحزب ومنع مشاركته في نشاطات كل هياكله''. إن إصدار رئيس الجمهورية قرارا بعزل مسؤول، مهما بلغت درجة مسؤوليته، أمر عادي وطبيعي، يندرج في سياق التداول على المسؤوليات وما يرتبط بها من تقدير وتقييم لقدرة وأداء المسؤول، لكن أن يكون القرار مقرونا بعقوبات واضحة ومحددة، فذلك ما يدفع إلى طرح ألف سؤال وسؤال. إن أول الأسئلة يقول: هل خان عبد العزيز بلخادم ثقة الرئيس أم أنه ارتكب أخطاء كبيرة، مما أدى إلى إقالته وإطفاء كل الأضواء من حوله، بعد أن كان مقربا جدا ورجل الثقة، حيث يعود للرئيس كل الفضل في انتشاله من زعزلة قاتلةس دامت سنوات طويلة. السؤال الثاني، مفاده: هل المحاولات المتكررة للزج باسم الرئيس من طرف بلخادم في صراعه مع قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، هي التي جعلت الثقة الممنوحة تهتز وتتراجع وتصل إلى ما دون الصفر وترتد على بلخادم عزلا وعقابا. هل حضور بلخادم لقاء جبهة التغيير الذي، اعتلت منصته وجوه المعارضة وكان خطابها قاسيا ومتحاملا على السلطة، هل كان ذلك بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس وجعلته ينكسر وغير قابل للجبر. قد يكون هذا وذاك، مع الإقرار بأن السبب معروف لدى صاحب القرار وحده، علما بأن عدم الرضا كان واضحا منذ شهور، بل إن مؤشراته كانت جلية ولا تحتاج إلى الكثير من الشواهد، ويكفي أن عبد العزيز بلخادم - وزير الدولة المستشار برئاسة الجمهورية- لم يكلفه الرئيس بأية مهمة، منذ تعيينه إلى أن غادر مكتبه '' مطرودا''، وكأنه لم يكن وزيرا ولا مستشارا أو أنه كان يحمل حقيبة فارغة وبلا مسؤولية. ونأتي إلى القضية الأساس أو ما يمكن أن نسميه ''لعنة'' حزب جبهة التحرير الوطني التي طاردت بلخادم، فأخرجته من القيادة خاسرا ومهزوما، بعد أن انفض القوم من حوله، خصومه وأنصاره، وظلت تلك اللعنة تطارده في القلعة التي أراد أن يجعل منها المظلة الواقية التي قد توفر له الحماية وقد يستقوي بها في معركته الضارية ضد الأمين العام للحزب، فإذا هي ترفع عنه الغطاء وتتركه وحيدا في مواجهة نفسه. أخيرا، هل غواية الرئاسة هي التي جنت على بلخادم، فإذا بكرسي المرادية قد أصابه ب ''الدوخة''، فلم يعد يعرف ماذا يفعل. إنها سنة الحياة، يوم لك ويوم عليك، لكن المهم هو أن تجعل اليوم الذي هو لك عنصر قوة، وهذا ما فشل فيه عبد العزيز بلخادم ودفع ثمنه غاليا. لقد تجمعت الأسباب وتراكمت الأخطاء، وجاء القرار صاعقا، وكانت النهاية ذلك السقوط المدوي.