لم يعد خافيا استعمال الدول لورقة الإرهاب من أجل تحقيق مكاسب أو الحفاظ على مصالح، فالصعود السريع لهذه التنظيمات، كما هو حال تنظيم الدولة الإسلامية، وقوتها الضاربة، يعززان الاعتقاد بأن دولا بإمكاناتها تقدم الرعاية لهذه الجماعات التي تهدد دولا بكاملها، وتحتل مساحات واسعة من سورياوالعراق. بالأمس تم إطلاق سراح 49 رهينة تركية بعد أشهر من احتجازهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، عاد هؤلاء في صحة جيدة، ولم يظهر عليهم أي أثر للإرهاق والخوف الذي عادة ما نشاهده على وجوه من تعرضوا للاختطاف وعاشوا لشهور تحت تهديد الذبح والتنكيل. الحكومة التركية لم تجهد نفسه في شرح كيفية تحرير هؤلاء، اكتفت بالقول إن المخابرات التركية نفذت عملية ناجحة تم الإعداد لها بصبر ومنذ وقت طويل، لكن ما عرف عن تنظيم الدولة من همجية وإجرام يضعف هذه الرواية ويجعلها غير ذات مصداقية. في مقابل هذا تخبرنا المواقف السابقة أن حكومة أنقرة لعبت دورا أساسيا في فتح المجال أمام هذه الجماعة الإرهابية، فقد تسلل أغلب مقاتلي ما كان يسمى داعش عبر الحدود التركية إلى الأراضي السورية، وقد كانت الأراضي التركية قاعدة خلفية لهؤلاء الإرهابيين، وفي العراق لم يكن خافيا أن تركيا تمسك بكثير من خيوط هذا التنظيم وتحركه بما يخدم مصالحها. المسألة المطروحة ليست أخلاقية، والسؤال لا يتعلق بمدى أخلاقية السياسة التركية أو سياسات دول أخرى في العراقوسوريا، لكن المهم هو الانتباه إلى تحول الإرهاب إلى أداة مقبولة في إدارة العلاقات بين الدول، وقد بات واضحا أن الأمريكيين وحلفاءهم الإقليميين لا يمانعون من استعمال هذه التنظيمات، التي يجري التنديد بها علنا، من أجل حماية المصالح أو تعزيزها. في لبنانوسوريا أيضا لاحظ العالم كيف نجحت وساطات قطرية في إطلاق رهائن كانت تحتجزهم جبهة النصرة، التي تصنف هي الأخرى كتنظيم إرهابي، كما أن أمريكا التي أعلنت الحرب على تنظيم الدولة في العراق لا تتردد في غض الطرف عنه طالما أنه لا يهدد مصالحها. العالم ينحدر نحو مزيد من الهمجية والعنف، والكارثة أن هذه السياسات الانتحارية تختبر في بلداننا، وندفع ثمنها أنهارا من دمائنا.