واصلت الأحزاب المنهزمة في تشريعات العاشر من ماي جعجعتها من دون طحين، فكل المبادرات التي هددت بتبنيها اصطدت بحقائق قانونية وسياسية حكمت بفشلها، ويبدو أن قيادات هذه التشكيلات السياسية مجبرة على تقديم الحساب لمناضليها ومغادرة القيادة بشرف بدلا من ترديد اتهامات غير مؤسسة عن التزوير واستعمال خطاب ابتزازي تجاوزه الزمن وانتهى بانتهاء عهد الكوطات الذي تربت عليه عقلية الكثير من المحسوبين على الطبقة السياسية. تبدو القرارات التي أصدرها المجلس الدستوري فصلا في الطعون المودعة لديه مهمة للغاية بالنسبة للتشكيلات السياسية التي خرجت رابحة من غربال المجلس الذي جعل عدد من التشكيلات السياسية تكسب عددا من المقاعد النيابية، على غرار حزب العمال الذي حصل على 7 مقاعد إضافية، وجبهة القوى الإضافية التي تعزز رصيدها ب 6 مقاعد، في حين استفاد تكتل الجزائر الخضراء من 3 مقاعد، وإن اكتفى البعض على غرار تشكيلة حنون بالقول بأن »مجلس الطيب بلعيز اجتهد«. بعد هذه النتائج من الصعب على أي قوة سياسية اتهام المجلس الدستوري بالتحيز لأي طرف، فحزب جبهة التحرير الوطني الذي تحّول خلال الأيام الأخيرة ومنذ ظهور نتائج التشريعيات إلى هدف كل المنهزمين في المعركة الانتخابية، دفع الفاتورة غالية بخسارة عدد من المقاعد، لكن ما يهم في الظرف الحالي هو أن يقتنع الجميع بأن القانون هو الفيصل ولا مجال في ذلك اللغط الذي غطى على العرس الانتخابي وأساء كثيرة للعملية الانتخابية، رغم مواصلة دول ومنظمات أجنبية مشهود لها في الدفاع عن المثل والقيم الديمقراطية الثناء على الانتخابات التشريعية التي نظمت في الجزائر والتي شهد على شفافيتها ونزاهتها أكثر من جهة وطرف بما في ذلك الملاحظين الدوليين، ومن بينهم ملاحظي الاتحاد الأوربي. بعض التشكيلات السياسية تمارس شكلا من أشكال التمويه على هزيمتها لحماية قيادتها من غضب القواعد، فما تقوم به تشكيلات تكتل الجزائر الخضراء، خصوصا حركة مجتمع السلم، فضلا عن حركة العدالة والتنمية لزعيمها عبد الله جاب الله، يبرره الخوف على المناصب، كما تبرره حالة الإحباط التي أصيبت به الحركات الإسلامية التي اعتقدت بأن ما يجري في العالم العربي في إطار ما يسمى ب »الربيع العربي« سوف يجعلها تسلم السلطة وتتحصل على أغلبية المقاعد النيابية سواء صوّت الجزائريون أو لم يصوتوا على الإسلاميين، فالمطلوب حسب اعتقادهم مسايرة »الموضة«، أو بالأحرى الاستجابة لاملاءات واشنطنوالعواصمالغربية التي تريد تجريب الإسلاميين في السلطة في العالم العربي، وتخير الأنظمة العربية بين الاستجابة الطوعية على الطريقة المغربية أو »الثورة« سواء على الطريقة التونسية والمصرية أو على الطريقة السورية والليبية. وبطبيعة الحال فإن فشل الأحزاب الغاضبة على نتائج التشريعيات كان منتظرا لسبب بسيط وهو أن تظلماتها مبنية على باطل، وادعاءاتها غير مؤسسة، ولا تستند على أي وقائع مادية، فالتزوير الذي يتحدث هؤلاء عنه لا وجود له إلا في رؤوسهم، وقد شهد الجميع بما في ذلك الملاحظين الدوليين بأن العملية الانتخابية جرت في شفافية، وكل التهاني التي تصل من العواصمالغربية تؤكد هذه الحقيقة التي يريد حجبها بعض المهزومين. وزير الداخلية دحو ولد قابلية دعا هته الأحزاب بأن تستقيل من البرلمان، وتنفذ تهديداتها بمقاطعته، وهي رسالة تحدي أراد إيصالها إلى هؤلاء وهو مدرك تمام الإدراك بأنها لن تغامر بهكذا قرار لعلمها بأن »نوابها« لن يلبوا دعوة المقاطعة، فأغلب التشكيلات السياسية تعاني من مشكل الانضباط، ثم إن من رشحتهم للغرفة السفلى هم في الغالب أشخاص لا علاقة لهم بالحزب الذي حملوا عنوانه، ولا شك أن ولد قابلية كان يعني ما يقول لما ردّ بأن الدعوة إلى تأسيس »برلمان شعبي« هو مسألة في غاية الخطورة، فهذا البرلمان المزعوم مساس خطير بأمن واستقرار البلد وطعن في مؤسساتها. وإذا كانت حركة مجتمع السلم تعيش أسوأ أيامها بعد قرار عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، والاتجاه نحو لملمة صفوف المعارضة الإسلامية، خاصة في ظل غضب أنصار المشاركة الذين لا يمكن لهم بأي شكل من الأشكال توديع حضن السلطة الدافئ، فإن الهستيريا التي أصابت حزب العمال وزعيمته لويزة حنون تطرح الكثير من التساؤلات، ذلك أن حنون لم تترك أي طرف إلا وتهجمت عليه بما في ذلك رئيس الجمهورية الذي اتهمته بالسكوت على ما أسمته »تزوير الانتخابات لصالح الأفلان«، فتحول الحزب العتيد إلى هدف دائم لحنون، التي تهجمت أيضا على القوات النظامية وخصوصا على الجيش الوطني، من خلال الحديث عن توجيهات أعطيت، حسب مزاعمها، لقوات الجيش من أجل التصويت لصالح الجبهة. لقد أسست حنون »نضالها« دوما على خطاب راديكالي متطرف في انتقاد السلطة، لكن هذا الخطاب يخفي في الواقع رغبة في ابتزاز السلطة والحصول على تنازلات ولما لا امتيازات معينة، وقد رأينا في السابق حنون ونوابها يطالبون بحل المجلس الشعبي الوطني في حين تشبثوا هم بمقاعدهم النيابية ولم يقدموا استقالتهم، وكان على حنون أن تتعلم من الأفافاس وزعيمه التاريخي حسين آيت أحمد الرصانة وبعد النظر والوطنية في أسمى تجلياتها. وتعتبر ردود وزارة الخارجية على رئيس الحكومة في المغرب في غاية الأهمية من حيث أنها رسمت مجددا خطوط التعاطي مع ملف الصحراء الغربية باعتباره مرتبطا بطرفي النزاع المعترف بهما دوليا، المغرب وجبهة البوليساريو، فأي محاولة لإقحام الجزائر في النزاع في الصحراء الغربية هو استعداء للجزائر بشكل لا يخدم الجهود التي تبذل من أجل التقارب بين البلدين وتطبيع العلاقات الثنائية التي تمر بمراحل جد صعبة منذ سنوات. وكان بنكيران زعم في حوار أجرته معه »البايس« الاسبانية أنه بمقدور الجزائر حل مشكل الصحراء في ظرف أيام قليلة لو أرادت، وهذا معناه أن الجزائر هي من يعرقل حل النزاع، وليست المرة الأولى التي تتهم الجزائر من قبل المغرب بالوقوف وراء النزاع في الصحراء الغربية، فحكومة بنكيران الإسلامية لا تختلف عن باقي الحكومات التي شهدها الجار الغربي، فهي مجرد ديكور لتفادي الخريف العربي الذي عصف بالعديد من البلدان العربية، وحزب العدالة والتنمية ما هو إلا ديكور جديد لسياسة المخزن، والدليل على ذلك التقرير الأسود الذي أعدته اللجنة الأممية لحقوق الإنسان والتي اعتمدت فيه على تقارير جملة من التنظيمات الحقوقية الدولية التي تشتغل في حقل حقوق الإنسان، بحيث اتهمت الحكومة المغربية بمواصلة التعذيب والاختفاء القسري والضغط على وسائل الإعلام، وممارسة القمع داخل المغرب وفي الأراضي الصحراوية المحتلة، وإذا كانت الحكومة بقيادة الإسلاميين في المغرب عاجزة حتى على تحسين وضعية حقوق الإنسان في المملكة، فما الفرق بينها وبين باقي الحكومات القهرية والاستبدادية والمهينة لأبسط الحقوق التي خرج بسببها الشعوب العربية في الكثير من الأقطار العربية المنتفضة؟