في حدث غير مسبوق، تلقى الشعب الجزائري أمس، رسالة من لدن نائب وزير الدفاع وقائد الأركان، الفريق ڤايد صالح، شكر من خلالها الشعب الجزائري على التفافه حول الجيش وهبة التعاطف مع ضحايا عملية عين الدفلى، التي راح ضحيتها 11 جنديا، حيث قاد الشباب عبر صفحات التواصل الاجتماعي حملة وهاشتاڤ تحت عنوان “أنا جندي شهيد يوم العيد”. الرسالة وإن جاءت متأخرة بأكثر من أسبوعين عن الحادثة، ذكرتنا وكدنا أن ننسى صفة “الشعبية” للجيش، لكثرة ما يدور في الساحة من إشاعات حول صراعات المؤسسة حول السلطة، وفي ما بين رجالها، تلك الإشاعة التي زادت حدة منذ التغييرات الأخيرة في صفوف بعض المديريات والتي ما زالت متواصلة. لا أريد أن تفهم الهبة الشعبية وتعاطف الجزائريين مع ضحايا العملية الإرهابية، تزكية لبعض القيادات في صراعها المفتعل أو الحقيقي على السلطة، وأن يستعملها البعض لتزيد في ميزانه السياسي، لأن الهدف من مؤزارة المؤسسة العسكرية لم يكن هذا، وإنما عرفانا لدورها الدستوري في حماية الوطن مما يتربص به من عدوان وإرهاب، ولأنها المؤسسة النابعة من الشعب، بنيت بسواعد أبنائه، والوحيدة التي ما زالت وفية لمبادئ أول نوفمبر، والتي لا تتخلف عن مؤزارة الشعب في كل محنة، سواء أثناء فترة الإرهاب حيث حمت الوطن والمواطنين بأرواح رجالها، أو أثناء النكبات التي تلم من حين لآخر بالبلاد، فرجال الجيش هم اليوم الساهرون على الوضع في غرداية، ويعملون على حل أزمة كادت تعصف بالبلاد وتفجر بؤرة صراع طائفي. وشتان بين رسالة قائد الأركان أمس، الصريحة المفعمة بمشاعر المودة والمعبرة عن عرفان الجيش لوقفة الشعب الجزائري وتأثره بما لحق بأفراد الجيش في العملية الغادرة يوم العيد، ذلك العرفان المعبر عنه بصريح العبارة في بيان أمس، وبين الرسالة السياسية لقائد الأركان التي تسربت متخفية ووجهها إلى الأمين العام لجبهة التحرير، معبرا له عن تأييده للرجل، وداس بذلك على تقاليد المؤسسة التي نأت بنفسها عن الصراعات السياسية، فكانت رسالة قائد الأركان أثارت غضب الطبقة السياسية لما يشتم منها من رائحة صراعات محتدمة في هرم السلطة، صراعات توحي بأن البلاد ليست بخير، وأن انحياز قائد المؤسسة لشخص على حساب الدستور والقوانين وأمن واستقرار البلاد، هو إعلان عدوان على الأطراف المعارضة لهذا الشخص ولبقية الطبقة السياسية، فالرسالة لم تكن بريئة وإنما تضع قوة المؤسسة ووزنها العسكري والمؤسساتي في خدمة أشخاص وليس في خدمة خيارات استراتيجية للبلاد. فهل أراد قائد الأركان بهذه الرسالة تصحيح الأخطاء وسوء النية الذي سببته الرسالة الأولى الموجهة لأمين جبهة التحرير، وفهم منها أن الرسالة ردا على جهة عليا احتدم معها الصراع على الحكم أكثر من أن تكون رسالة مساندة أو بالأحرى رسالة مجاملة؟ التفافنا كشعب حول المؤسسة العسكرية ليس بالجديد، وليس لنا أن نشكر عنه أو نجازى عليه، لكن الأهم أن ينأى بهذه المؤسسة عن حماية مصالح البعض، وعن الصراعات السياسية التي ستضعفها حتما إن لم تفجرها. وهذه هي فحوى رسالة التضامن الشعبي مع جنوده المغدورين؟!