من جديد، تثبت هجمات باريس أن التفكير الأحادي النظرة أو حتى الثنائي، في مواجهة الإرهاب، لم يعد كافياً، إذ لا وطن ولا دين للإرهاب. وهذا يحتم المواجهة العالمية أو الأممية له في شكل منظم وفاعل، ويتطلب توحيد الجهود على مستوى الدول والتنظيمات الإقليمية والدولية، بل حشدها لمواجهة حقيقية تتجاوز القول إلى الفعل. وحتى لا يرسخ في الأذهان أن السحر انقلب على الساحر، من الضروري أن تعلن دول العالم، بخاصة الكبرى منها، موقفها تجاه المنظمات الإرهابية، لا سيما الموجودة في الشرق الأوسط، وبينها تنظيم ”داعش” الذي يتغول كلما نسجت الدول الكبرى نفسها خيوطاً من سوء النية تجاه دول المنطقة في إطار ما تمكن تسميته تقاطع المصالح. ودعونا لا نذهب بعيداً بعد حادث تحطم الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء. فقد حرصت منذ اللحظة الأولى دول كبريطانيا والولايات المتحدة على أن تعلن أن الحادث وقع نتيجة عمل إرهابي مستبقة نتائج التحقيقات التي لم تجزم بهذه الفرضية، واستتبعت ذلك أحكام بحصار معنوي ودعائي ضد مصر لا لشيء سوى لنسف العلاقات المصرية الروسية بعيداً عن حرص هذه الدول على مواجهة الإرهاب، بل في حقيقة الأمر كانت تعاقب موسكو على تدخلها العسكري في سورية، وكأن ضرب السياحة في مصر أصبح من وجهة نظرهم الحل لمواجهة تقاطعات المصالح الغربية والروسية في الشرق الأوسط. ووسط هذا الجو العبثي في العلاقات الدولية، تشهد باريس فجأة انفجارات غير مسبوقة كان قد سبقها ب 48 ساعة فقط انفجاران في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. ولو دقَّقنا النظر لاكتشفنا أن رابطاً ما يربط بين كل من هجمات باريسوبيروت، وهو وقوعها في قلب المدينة حيث التجمعات البشرية بغرض إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح. ومن هنا كان طبيعياً أن نجد أن انفجارات فرنسا تجيء أكثر حِدة وقسوة لأنها تمَّت في أحد المسارح في منطقة مكتظة بالسكان وبالقرب من ملعب كانت تقام عليه مباراة كرة قدم بين فرنسا وألمانيا عشية عطلة نهاية الأسبوع. بعبارة أخرى، هذه العمليات الإرهابية هي بلا شك مقصودة ومتعمدة لإرهاب الدولة الفرنسية، ولا أحد يعلم من سيكون عليه الدور القادم، ما يؤكد فشل السياسة الغربية في مواجهة الإرهاب والانشغال في محاولة خلق شكل جديد من أشكال الإمبريالية الجديدة تريد به التحكم في مجريات الأمور في العالم، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تشكل الآن محور التصارع الإقليمي والدولي. وكنتُ أتصور أن تتحد الجهود لمواجهة عدو مشترك هو الإرهاب الذي يطل برأسه من آن لآخر في كل مكان وفي أي وقت. لكن انصرفت دولة كبريطانيا، أمام حادث الطائرة الروسية، إلى الهرولة وراء استنتاجات استخباراتية كُشف النقاب عن مصدرها وهي إسرائيل، لمهاجمة الدولة المصرية وتوجيه ضربات للسياحة فيها. ونجد أن دولة أخرى كروسيا تنساق وراء هذه الترهات وتتخذ قرارات لا تتفق وعمق علاقاتها مع مصر، بل تأتي متسقة مع ما يريده الغرب من معاقبة لمصر على التصدي لمؤامرة ما تمكن تسميته اتفاقية سايكس بيكو الجديدة التي يحاولون بها إعادة رسم خريطة العالم العربي من جديد. وهذا يصب بالدرجة الأولى في مصلحة الدولة العبرية التي تمارس الآن أشدَّ أنواع العنف والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وهكذا نخلُص إلى أن الدول الفاعلة في عالم اليوم تنقاد إلى صراعات جانبية، تاركة الصراع الأساسي الذي نرى أنه مع التنظيمات الإرهابية. وبدلاً من التعاون مع دول تحارب الإرهاب كمصر، تعمل على خلق مشكلات معها وتغض الطرف عن أطماع إقليمية وسياسات عائدة من الماضي لدول كتركيا وإيران. ولو حاولنا تشبيك كل عناصر الموقف الحالي لوجدناه يقود إلى دعم الإرهاب وليس التصدي له.