المنطقة العربية أصبحت حبلى بالأزمات والأخطار، وأصبحت هذه الأزمات على قدر كبير من التسارع والتطوّر في شكل مثير للدهشة، كما أصبح أمراً طبيعياً أن تبرز إلى السطح أزمات ارتدادية أو تداعيات أمنية سلبية نتيجة ترك القضايا والأزمات الإقليمية من دون حلّ لفترة طويلة، بل تركها تستفحل ويتّسع نطاقها ويتزايد عدد الأطراف المنخرطة فيها. هذا الوصف يصدق على الأزمة السورية التي ستكمل عامها الخامس في آذار (مارس) المقبل. ولعلّ مما فرزته الأزمة السورية حتى هذه اللحظة، تعاظم دور ”داعش” وبروز جماعات مسلّحة توظّف العنف لتحقيق أهدافها السياسية، بطريقة جعلتها تصنّف على أنها جماعات إرهابية، تفريقاً بينها وبين المقاومة المشروعة والمعارضة المسلّحة المعتدلة. لم يكن في وسع ”داعش” التوسّع وأن يتعاظم دوره من دون وجود الفراغ السياسي والأمني الحاصل في العراق وسورية، ولا أعتقد أن من السهولة في مكان ل ”داعش” تجنيد عناصر من مختلف مناطق العالم بكل يسر من دون أن يتم اكتشاف الأمر من جانب الدول القادرة على كشف ذلك نظير ما تملكه من تطور تقني، بخاصة أجهزة التجسس والمراقبة. هذه الحقيقة تقود إلى تساؤل حول ما إذا كان هناك توظيف ل ”داعش” والإرهاب عموماً من جانب القوى الإقليمية (غير العربية) والدولية لتحقيق أجندتها في المنطقة. وإذا لم تكن هناك أدلة قاطعة وملموسة على أنه يمكن الوصول إلى استخلاص حول ذلك من واقع التحليل والملاحظة المباشرة لتطوّر الأمور وتسارعها. ندرك أن إيران استضافت رموز ”القاعدة” بعد فرارهم من أفغانستان، كما نعرف أيضاً أن إيران تدعم ميليشيات كثيرة في الوطن العربي وفق أسس مذهبية، وتقوم بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، بل تقوم بأعمال تخريبية في بعض الدول العربية، وتم كشف مخططات لأعمال كان ينتظر أن تنفّذها خلايا نائمة تابعة لإيران في أكثر من دولة عربية، إضافة إلى استخدام إيران تلك الجماعات والورقة الطائفية لنشر الفوضى في المنطقة وتشكيل مناطق نفوذ لها، والأمر لا يخفى على القوى الكبرى لكنها تغضّ الطرف عنه في شكل مريب. بل إن واشنطن سعت في شكل حثيث، إلى التوصّل الى اتفاق نووي مع إيران لا نستبعد أن ما تشهده السياسة الإقليمية من تطورات في الوقت الحاضر هو في جزئية منه ناتج من الاتفاق النووي الذي توصّلت إليه القوى الكبرى مع إيران. روسيا هي الأخرى تدرك ماهية الدور الإيراني وأهدافه في المنطقة، لكنها تتقاطع مصالحها مع إيران في نقاط عدة تجعلها لا تكترث بالعبث الإيراني في المنطقة العربية، حتى وإن كان من نتائج ذلك تنامي ظاهرة الإرهاب كنتيجة للفراغ السياسي والأمني والتأزم المذهبي الذي تغذيه إيران. هناك أيضاً، ارتباط وثيق بمسألة تنامي ظاهرة الإرهاب وتعاظم الفراغ السياسي والأمني في بعض مناطق الوطن العربي، يتمثّل في ترك الأزمات الإقليمية تستفحل وتتعقد، الأمر الذي نتجت منه ارتدادات سلبية كما في ظاهرة ”داعش” وتنامي نفوذه، وما يحصل من أعمال إرهابية في أوروبا في توقيت استراتيجي ومثير للغرابة. الجميع يعلم أنه لم يكن في وسع ”داعش” أن يظهر وتتعاظم قوته لولا الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وما خلّفه ذلك من استقطاب سياسي ومذهبي، في الوقت الذي أدى عدم إيجاد حل للأزمة السورية إلى تفاقمها وتعدّد الأطراف المشاركة فيها، بما في ذلك الجماعات الإرهابية التي وجدت في الأرض السورية تربة خصبة لنموّها وتزايد نفوذها. هنا يأتي السؤال التالي: هل يتم توظيف ”داعش” من القوى الأجنبية، أم أن هناك تقاطعاً في المصالح بينها وبين القوى الأجنبية المؤثرة في المشهد الإقليمي؟ لماذا تتناقض تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين حيال حل الأزمة السورية؟ لماذا يقولون ما لا يفعلون حيال مصير الأسد ومستقبله؟ لماذا بدأت تتراجع أهمية إيجاد حل للأزمة السورية وفق مخرجات جنيف1 مقابل ملف القضاء على الإرهاب؟ وهل يمكن حقاً القضاء على الإرهاب ونحن نعلم أنه تم توظيفه من نظام الأسد وإيران؟ بل أصبحت القوى الأجنبية تقترب من حقيقة التعايش مع نظام الأسد ولو إلى حين، فيما بدأت فعلاً تتعايش مع إيران بغضّ النظر عن دورها العبثي في المنطقة. وهل مثل هذه الحلول والمقاربات جادة وكفيلة بضمان سورية المستقبل موحدة ومستقرة، تتعايش مكوناتها الاجتماعية بأمن وسلام؟ كيف نفسر التنسيق الروسي - الإسرائيلي حيال الأزمة السورية، وكيف تقبل واشنطن أن تستبيح موسكو منطقة الشرق الأوسط في هذا الشكل؟ سمعنا أخيراً عن تحرير سنجار من القوات الكردية وطرد ”داعش” منها في شكل سريع ومفاجئ، من دون معارك ضارية. هنا يمكن أيضاً طرح سؤال آخر حول دور الورقة الكردية في مستقبل المنطقة، خصوصاً دورها في إعادة رسم خريطة المنطقة مجدداً.