القضاء على إرهابي واسترجاع مسدّس رشاش من نوع كلاشنيكوف    اجتماع القادة.. لقاء ثلاثي بأبعاد إقليمية ومتوسطية    تم معالجة 40 ألف شكوى تلقاها وسيط الجمهورية وطنيا    الخطوط الجوية تعلن عن عرض جديد    لا تزال الأزمة تصنع الحدث في الساحة الرياضية: بيان رسمي .. اتحاد العاصمة يعلّق على عدم إجراء مباراته أمام نهضة بركان    لا مفر من الرحيل عن ليل: بعد إهانة ليل.. صديق آدم وناس يكشف "المؤامرة "الفرنسية    «داربي» عاصمي واعد من أجل مكان في النّهائي    تضاعفت قيمة عمورة السوقية 4 مرات: سانت جيلواز.. عمورة للبيع لمن يدفع أكثر من 20 مليون يورو    باتنة : الدرك الوطني بدائرة عين التوتة توقيف شخص يمارس السحر والشعوذة بأولاد عوف    تأسيس الجائزة الوطنية في علوم اللّغة العربية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    التقى وزيري النقل والطاقة لسلطنة عمان.. بوغالي يسترض واقع وآفاق قطاعات النقل والاتصالات والرقمنة في الجزائر    عبد الرشيد طبي : ضرورة تثمين الهياكل القضائية بتقديم خدمات نوعية للمواطنين    الأغواط : أبواب مفتوحة على مركز التدريب للدفاع المضاد للطائرات    المدرسة العليا للدّفاع الجوي..صرح علمي بكفاءات عالية    المنتخب الوطني يتعادل أمام نظيره التونسي    البنك الوطني الجزائري: رقم الأعمال يرتفع بأكثر من 27 بالمائة في 2023    نيابة الجمهورية: فتح تحقيق في حادثة انهيار سقف قسم بمدرسة ابتدائية بوهران    العاصمة.. إحصاء 248 مشروع تنموي في مختلف القطاعات    برج بوعريريج.. مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 76 يرى النور قريبا    قصف ومجازر وسط القطاع واقتحامات للمسجد الأقصى    توظيف التراث في الأدب.. عنوان المقاومة..    مطالب بحماية الشعب الصحراوي من الاضطهاد المغربي    عرقاب يعلن عن استحداث 4 معاهد تكوينية متخصصة في المجال المنجمي    تريكي : 80 بالمائة من الجزائريين يستفيدون من الانترنيت    فلسطين: انتشار مكثف لجنود الاحتلال في القدس وغلق كافة الممرات المؤدية للمدينة    مجلس الأمة يشارك من 26 إلى 28 أبريل بإسطنبول في مؤتمر "رابطة برلمانيون من أجل القدس"    لغروس في بسكرة: وضع حجر أساس مشروع إنجاز محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    أرمينيا وأذربيجان تعلنان عن بدء عملية تحديد الإحداثيات لترسيم الحدود بينهما    فرصة جديدة لحياة صحية    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    لعقاب: ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات التي تواجهها الجزائر    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    صعلكة    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    القرار سينفذ هذا الصيف: منع كراء عتاد الاستجمام و زوارق النزهة بشواطئ عنابة    سطيف: تحرير شاب عشريني اختطف بعين آزال    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    سنقضي على الحملة الشرسة ضد الأنسولين المحلي    بنود جديدة في مشاريع القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئة وخمسون عاماً على تأسيس الجامعة الأميركيّة في بيروت
نشر في الفجر يوم 10 - 02 - 2016

لمناسبة مرور قرن ونصف قرن على تأسيس الكلية السورية الإنجيلية، الجامعة الأميركية في بيروت، يجدر التوقف أمام القيم الأيديولوجية التي يمثّلها هذا الصرح العلمي والثقافي، والتي تشكّل في جانب منها استثناء في التاريخ العربي، بخاصة في هذا الزمن العربي البائس، زمن الانغلاق على اليقينيات الدوغمائية، الطائفية والمذهبية والأيديولوجية، والتوجّه المحموم الى رفض الآخر وتكفيره، وصولاً الى إلغائه واستئصاله في شتى الأشكال، حيث يحضر قول القس دانيال بلسّ في حفل تأسيس الكلية: ”إن هذه الكلية هي لكل الأحوال ولكل أنواع البشر من دون أي اعتبار للون أو القومية أو الجنس أو الدين. فيمكن أي رجل أبيض كان أو أسود أو أصفر، مسيحياً كان أو يهودياً أو مسلماً أو وثنياً أن يدخل الكلية ويتمتع بكل ما يمكن أن تسديه من نفع، ثم يخرج منها مؤمناً بإله واحد او بآلهة كثيرة أو غير مؤمن بأي إله. غير أنه يستحيل على أحد أن يبقى عندنا طويلاً من دون أن يعلم ما نؤمن بأنه حق والأسباب التي تدعونا الى ذلك الإيمان”.
جاء هذا الرأي صادماً لعقل عربي وقف على الدوام موقف التشكيك أو الرفض والتكفير إزاء الرأي الآخر، باعتبار أن كل نقد إنما يندرج في إطار البدعة المهدّدة للأمة أو العقيدة أو الطائفة أو المذهب. فالعقل العربي لم يتقبل الآخر أو يعترف به كجانب أساسي من البنية الفكرية أو الثقافية العربية، ومحرك لديناميتها وإبداعها، وقد أدرج كل ”رأي آخر” في خانة الكفر أو المؤامرة على المجتمع والأمة.
كانت هذه مسيرة التاريخ العربي منذ نكبة المعتزلة ومحنة ابن رشد الى اغتيال أسعد الشدياق وتشريد أخيه فارس، الى اغتيال جبرائيل دلال وعبدالرحمن الكواكبي وتكفير طه حسين، الى اغتيال فرج الله الحلو وكامل مروة وكمال الحاج ومهدي عامل وحسين مروة وفرج فودة، الى تكفير نصر حامد أبو زيد ونفيه. لقد كانت هنالك دائماً مواجهة مأسوية محكوم أبطالها سلفاً، إما بالانتحار، وإما بالموت الروحي نفياً وعزلاً وتهميشاً، أو اعتذاراً وتراجعاً وانكفاء، فثمة مرجعية متسلّطة ضاغطة، تراثية أو مذهبية أو طائفية أو أيديولوجية تنتصر في النهاية وإن بدا أن في الإمكان زحزحتها أو اختراقها وتكييفها. هكذا لم يكن من السهل تاريخياً ولوج الفلسفة الى الفكر العربي لما طرحته من أفكار وآراء مختلفة، فاقتضى دخولها الى التراث العربي متلبّسة بالطب أو الرياضيات أو الهندسة كي يتم قبولها وإدماجها، لا كمختلف متعارض، بل كمؤتلف متسق مع العقل السائد. وعليه، بدأت الفلسفة العربية من خلال توفيق وتلفيق بين التراث والعقلانية اليونانية، بما يبدو في النهاية انتصاراً للمرجعية التراثية وتبريراً لها على رغم كل ما يتراءى عكس ذلك. وإذا تجاوز العقل ”حدوده”، كان ثمة ما يتربّص به من المحن والتنكيل، ما يكفل إعادته الى المرجعية السائدة والمهيمنة ويضيع تمرّده هباء، ولنا في محن الفلاسفة العرب ومآسيهم صورة قاتمة لمعاناة شاقة مع الاستبداد المرجعي ما فتئت أصداؤها تتردد جيلاً بعد جيل.
في هذا السياق، حاول بعض المفكرين النهضويين والمعاصرين العرب الخروج على الأيديولوجيا السائدة، فبلغ طه حسين حداً كبيراً في تحدّي المرجعية التراثية، إذ دعا الى اقتباس الحضارة الأوروبية كاملة، لنشعر كما يشعر الأوروبي ونعمل كما يعمل ونعرف الحياة كما يعرفها، وذهب زكي نجيب محمود بعيداً في تبنّي الوضعية المنطقية التجريبية. إلا أن حسين ومحمود لم يلبثا أن انكفآ معتذرين الى كنف التراث ورحابه يلازمهما شعور بالذنب بعد خروجهما المرحلي والعابر على المرجعية التراثية التي شدّتهما في النهاية وبدّدت ثورتهما، شأن أكثر المفكرين العرب. لقد تعالت في العالم العربي منذ نهاية القرن الماضي والى الآن، على رغم التوجه العالمي نحو الخيار الديموقراطي، الأصوات الداعية الى الخطاب السياسي الواحد والأيديولوجيا الواحدة والتفسير الآحادي للمعتقد الديني، في محاولة لتكريس آحادية الرأي والتفكير وإسقاط مشروعية الرأي الآخر إسقاطاً كاملاً، ولم يكن هذا دأب الأصولية الدينية وحدها، بل ميزة عامة للحراك الأيديولوجي السياسي.
هذه الحالة ما هي في الحقيقة وفي خلفياتها البعيدة إلا تعبير عن استبداد الروح السلطوية المتحكمة بالعقل العربي والإنسان العربي عبر وسائط متعددة، هي التراث أحياناً وهي الأيديولوجيا الطائفية أو القبلية أو الحزبية أو القومية أحياناً أخرى. فالمرجعية السلطوية هي هي سواء داخل القبيلة أو المذهب أو الحزب أو الجماعة، وهي هي أساس تقديس الذات ورفض الآخر وتكفيره. ومن هنا بالذات، يجب أن نقرأ أبعاد خطاب بلسّ ودلالاته باعتباره خروجاً على منطق التاريخ العربي وتأسيساً لفكر جديد وتوجّه جديد ورؤية جديدة لم يكتب لها الانتصار ولا تزال في إطار اللامفكر فيه في تاريخنا. صحيح أن الكلية السورية الإنجيلية لم تتجه دائماً في الاتجاه الذي تصوّره بلسّ، بل إنها في ثمانينات القرن التاسع عشر عملت على قمع الاتجاه الدارويني الذي تبناه بعض أساتذتها وطلابها، إلا أن الفكر الذي عُبر عنه في خطاب بلسّ، يبقى نقطة مضيئة في تاريخنا يجب أن تستحضر وتستلهم كلما أقفلت نوافذ الحرية وادلهمّ ظلام الأصولية والاستبداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.