الشباب البريطاني غاضب ورافض لخروج بلاده من الاتحاد الأوربي، مثلما أظهرته حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تطالب ببقاء بريطانيا داخل الاتحاد، مؤكدين على تمسكهم بأوربيتهم، ومن أجل هذا أطلعوا حملة جمع توقيعات على الأنترنيت توصلت إلى جمع أكثر من مليون توقيع مطالبة بإعادة الاستفتاء الذي أجري الخميس الماضي وتغلب فيه معسكر المدافعين عن خيار الخروج بنسبة 51.9?. في الحقيقة كانت بريطانيا دائما ترفض الانتماء إلى القارة العجوز، ولم تنخرط كليا في الاتحاد، فقد رفضت استعمال عملة الأورو، ولم توقع على اتفاقيات شنغن للتنقل الحر لسكان القارة. كما سبق ووضعت عراقيل عدة أمام بناء الاتحاد، ولم يكن غريبا على بقية دول الاتحاد مثل هذا القرار الذي طالب رئيسه من دافيد كامرون، الوزير الأول البريطاني تقديم طلب الخروج من الاتحاد، إذ وصف قرار استقالة كامرون بالمخزي، لأنه مثلما قال "رهن قارة بأكملها"! وكانت بريطانيا رفضت دائما أن تشارك في اندماج سياسي أوربي، كما رفضت دائما تدفق الأوربيين على المملكة الباحثين عن فرص عمل ومساعدات وسكن مجاني، وألا تضطر للمشاركة في انقاذ المالي لاقتصاديات منطقة اليورو، مثلما هو الشأن بالنسبة لليونان. فبريطانيا أقوى من دول الاتحاد ال27، فهي في غنى عن الاتحاد، كونها تملك الكومنويلث الذي يصنع قوتها، كما أن لها علاقة مميزة بأمريكا التي تسير دائما في فلك خياراتها السياسية والاستراتيجية، ولا يستبعد أنها كانت دائما الوسيلة التي تستعملها أمريكا لإضعاف الاتحاد الأوربي، فأمريكا لم تقبل أبدا قيام قطب قوي آخر في أوربا، بعد انتصارها على الاتحاد السوفياتي السابق وتفتيته وإخراج بلدان أوربا الشرقية من المعسكر الشرقي. لكن تبعات الخروج من المجموعة الأوربية التي لم تنتم إليها فعليا أبدا، سيظهر في الأشهر القادمة، فقد بدأت أزمة اسكتلندا تلوح في الأفق من جديد، بعد أن أعلنت وزيرة خارجية المقاطعة أن بلادها تنوي تنظيم استفتاء آخر للخروج من تحت التاج البريطاني، وكان استفتاء آخر أقر البقاء تابعا للمملكة، كما أنها تريد البقاء في الاتحاد الأوربي، وقد تتبعها في هذا الخيار كل من ويلز وإيرلندا الشمالية، ما يعني أن قرار الخروج قد يؤدي إلى تفكيك بريطانيا نفسها أكثر من تفكيكه للاتحاد الأوربي، الذي يتخوف البعض من أن يفعل قرار الخروج مفعول الدومينو في الاتحاد الأوربي. فحتى في بريطانيا العظمى، يقرر الشيوخ مصير الشباب، والشباب البريطاني لم يتجرع بعد صدمة الخروج من المجموعة الأوربية وسيتحمل وحده الخسارة، بفقدان حقوقه في التنقل والعمل، وفقدان ارتباط وجداني برقعة جغرافية!