قدّم سهرة يوم الخميس الماضي، المخرج الجزائري كريم موساوي أول أعماله الطّويلة ”طبيعة الحال” بقاعة ابن زيدون بالجزائر العاصمة، في عرضه الأوّل خارج المهرجانات مستعرضا حكايات وحالات من الواقع الجزائري. واقترح موساوي رؤيته ومقاربته لواقع الجزائر ما بعد العشرية السوداء من خلال فيلمه الذي اختار له عنوانا بالفرنسية ”En attendant les hirondelles” معتمدا على تقاطع مجموعة من القصص التي تعالج قضايا مختلفة. ويمضي الفيلم في اقتراح قصة افتتاحية لرجل ”محمد جوهري” متزوّج من شابة فرنسية ويتواصل بشكل طبيعي مع طليقته ”صونيا” وأم ابنه الوحيد من أجل ابنه، وبينما هو يسعى لإنجاح حياة ابنه يظهر مرتبكا وغير قادر على النجاح، هذا الرجل يفقد البوصلة دون أن يكشف ذلك تماما، وترافق قصته مشاهد لبنايات بصدد الإنجاز، وهو رجل أعمال يتورط مرغما في الفساد للحصول على المشاريع، وفجأة يسلم المسار إلى الحكاية الثانية من خلال سائقه ”مهدي رمضاني”. ويستعيد السائق الشاب حكاية حبه الذي فشل حين يرافق حبيبته ”هانية عمار” السابقة ووالدها وشقيقتها إلى بسكرة، حيث ينتظرها زوج لإتمام إجراءات العقد، ويتغيب الوالد والشقيقة بسبب تسمم غذائي، ويمضي العاشقان ليلة بذخ تبدأ بتشنج ورفض من قبل الفتاة وتنتهي بجولة في المزارع ورقص وفرح في مشاهد غير مبرّرة تماما، حيث تتحوّل الفتاة من وضع الخضوع إلى الثورة ثمّ في الصباح تستسلم لقدرها ولكنها سرعان ما تترك بيت زوجها المفترض، وتستقلّ العاشقة سيارة طاكسي، يتوقف سائقها لمساعدة أحدهم ”حسان كشّاش” الطبيب الذي تورط مع الإرهاب مجبرا وشهد عملية اعتداء على فتاة ”نادية قاصدي” والتي عادت بعد سنوات تبحث عنه وتريده أن يتكفّل بابنها. وبنى المخرج فيلمه على الترقب، فخلال العرض بقي الترقب هو السائد، البحث عن العلاقة بين القصص المتداخلة وعن التوترات التي ستحدث وعن العقدة الممكنة وكذلك عن الحلول، خيار المخرج الذي هو سيناريست العمل في الوقت ذاته جنّب الفيلم مسارا واحدا أو تنامي قصّة، وهو ما جعل الجمهور يتساءل عن النهاية المحتملة للفيلم، على اعتبار أن موساوي تعمد أن يقفل الفيلم في لحظة ترقب. وعاب البعض على الفيلم المشاهد التي أقحمت دون تبرير دخول الممثل حسان كشاش إلى المرحاض في وسط الاحتفال والخروج والعودة إلى الاحتفال، بالإضافة إلى بعض الفراغات التي يمكن التخلّص منها والتي هي أقرب إلى الثرثرة بالكاميرا. وبدا الفيلم صامتا من حيث الموسيقى التصويرية إلى غاية لحظات انفجرت فيها توليفة من الموسيقى بين الراي والموسيقى الكلاسيكية والرّقص المصمّم كوريغرافيا واستعراضيا دون تبرير واضح. وعلى المستوى التقني استطاع المخرج أن ينقذ عمله ويحصل على الإعجابي سواء من حيث إدارة الممثلين أو التحكم في الصورة والمناظر بمشاركة مجموعة من التقنيين الفرنسيين، ركز كريم موساوي على إحداث توازن بين المناظر الداخلية والخارجية، وهو الرهان الذي أسقط أحيانا الممثل في التوغل خارجا دون سبب عبر الطرق والبنايات وخاصّة عبر السيارات التي شكلت مناظر داخلية متحركة في الفضاءات الخارجية. وتوج ”طبيعة الحال” بجائزة ”الوهر الذهبي” بمهرجان الفيلم العربي بوهران في طبعته الأخيرة وعرض في مهرجان كان في قسم ”نظرة ما”، وقد حقّق المخرج كريم موساوي وهو من مواليد 1976 نجاحا في أول فيلم مطول له بعد أفلام قصيرة ومتوسطة.