وفي قوله تعالى: (يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ). قال جوهري: وتنزيل الأمر من السماء يقتضي النظر في منشأ هذا العالم، فإن هذه العناصر لم تظهر في بادئ الأمر، (لتضمنه) تنزيل الله للعوالم من حالها الأول حال البساطة والنور إلى حال الكثافة والتركيب، (ومقتضى) رجوع الأمر إلى الله. إن هذا العالم سائر من الكثافة إلى اللطافة كما أنه تنزل من اللطيف إلى الكثيف، (يعني) لا وجود في الأصل إلا لمادة واحدة بسيطة والقوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة وتتباين القوى إنما جوهرها في الأصل واحد وكل ما يقع أو لا يقع تحت نظرك من الوجود فهو صادر عن مادة أصلية واحدة، فهذا العالم كله أصله مادة واحدة هي الأصل لهذه الموجودات ومنها تكونت المادة والكهرباء والمغناطيسية والحرارة والضوء، فهذه كلها صفات وتنوعات في المادة الأساس، ولا تزال المادة واحدة واختلاف المظاهر وقتي. (وقد) خلق الله العالم من مادة واحدة ليستدلوا على وحدانيته وقدرته، وأضاف: إذن الأمر إن هو إلا تجليات ومظاهر لقدرة المحيط علماً.. طُبعت في هذا الخلاء الفسيح طبعاً ظهرت لنا.. بهيئة حركات.. وتجلى لعيوننا بهيئة نبات وحيوان وشمس، فما هذا العالم كله إلا حركات، وهكذا الزرع.. والحيوان وأجسام الناس، وأتساءل مأخوذا؛ أليس بهذا نفهم قول الله عز وجل (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء: 37). جاء الإنسان ليعاين الوحدة في الكائنات ويعرف الخالق سبحانه وتعالى ويعبده وحده كغاية للوجود، وتتكون الذرات في أجسام كل الكائنات من نفس اللبنات وطبيعتها جميعا الحركة في عَجَل.