عرض أمس بفيلماتك زينات بديوان رياض الفتح الفيلم المصري (فيلا 69) للمخرجة ايتن أمين، في إطار فعالية السينما ضمن برنامج المهرجان العربي الهندي الذي انطلق الخميس الماضي. يعد هذا الفيلم الذي أنتج سنة 2013 تكريما للأسرة التي بدأت العلاقة بين أفرادها تتقهقر بفعل عوامل أفرزتها الحياة العصرية، لكن الحاجة إلى دفء الأسرة يعود ليطفو بسيل ذكرياته ليجتاح المكان عند الضرورة. يتجسد ذلك من خلال واقع بطل الفيلم حسين (خالد أبوالنجا) الذي يعيش منزويا في بيته بعيدا على العالم الخارجي الذي تبقى علاقته الوحيدة به عبر الخدم وبعض الشركاء في العمل، حيث كان مهندسا معماريا. يعيش حسين الذي رغم تقدم العمر به وتعامله وسلوكه الفظ مع محيطه رجلا جذابا، حيث لم تستطع تلك العزلة التي فرضها على نفسه ورفضه المستميت لأي تغير حوله من التقليل من تلك الجاذبية التي جعلت كل النساء اللواتي يدخلن عالمه يقعن تحت تأثير سحره. وفجأة تظهر في حياة حسين شخصيات قادمة من الماضي وهما أخته الكبرى نذرة (لبلبة) وحفيدها سيف (عمر الغندور) لقضاء بضعة أيام بالفيلا بحجة وجود أشغال ببيتهما. يظهر حسين في البداية عدم رضاه لهذا الخرق الفجائي لحرمات حياته الهادئة والرتيبة وهوسه بتفقد كل ممتلكاته الثمينة مثل الكتب التي يعيد يوميا تسجيل عناوينه، إلا أنه مع مرور الوقت يستلطف الزوار الجدد الذين جاؤوا في الواقع ليرافقوه في أيامه المعدودة لأنه مصاب بمرض خطير. الإستئناس بالأسرة يقظ في نفسه مشاعر وذكريات كان لها وقع في نفسه، فتتحول حياته جذريا فتطفو من جديد أحاسيسه الرقيقة الدفينة تحت تراكمات المشاكل اليومية والتي لم تندثر كما يزعم حيث كانت تظهر من خلال تعامله مع تلك القطط الصغيرة التي كان يطعمها. على مدى 108 دقيقة تغص كاميرا ايتن أمين في هذا العمل الروائي الأول في أعماق الذات الإنسانية وتدغدغ الأشياء الجميلة الدفينة، ومن بينها العلاقات الحميمة بين الأسرة في أجواء دافئة غلبت عليها الألوان الداكنة مع ثقل متعمد في تطورات الإحداث التي جاءت مناسبة لشخصية حسين (الغريبة) لتي تقمصها بجدارة الممثل المتميز خالد أبوالنجا، تمكن بروتوشات بسيطة كاللحية والشيب من تحويله وهو في بداية الأربعينات من العمر إلى شيخ مسن محتفظ بكل وسامته وأناقته. فاز هذا العمل الذي لقي اسْتلطاف النقاد بجائزة لجنة التحكيم لأفضل عمل أول في العالم العربي لمهرجان أبوظبي لسنة 2013، كما فاز سيناريو الفيلم الذي كتبه محمد الحاج بمساهمة الشاعر محمود عزت بجائزة أحسن سيناريو في ملتقى السينمائي التابع لمهرجان القاهرة السينمائي. وإلى جانب الممثلة لبلبة التي جسدت دور الاخت الكبرى لحسين، وأروى جودة التي مثلت دور الفنانة المصورة سناء، إستعانت المخرجة بممثلين بمواهب شابة مثل سالي عابد في دور أية. فرغم تنوع الأفلام المبرمجة بمناسبة هذه التظاهرة العربية الهندية ووجود أعمال ممتازة، إلا أن الجمهور يواصل عزوفه عن القاعات رغم وجود عدد من الأفلام الجزائرية الحديثة ضمن القائمة المقترحة من بينها (فاطمة انسومر) لبلقاسم حجاج، و(عطور الجزائر) لرشيد بلحاج.