تحيي إفريقيا يوم الاثنين يومها العالمي الذي يصادف 25 مايو في ظروف استثنائية أهم ما يميزها نموا اقتصاديا "ملحوظا" أسهم في الحد نوعا ما من الفقر, رغم استمرار تردي الوضع الأمني في بعض أجزاء القارة السمراء, من جهة و تركيز الجهود على حل بعض الأزمات بالحوار و المصالحة من جهة أخرى. و مع اقتراب الأجل الذي حددته الأممالمتحدة لتحقيق أهداف الألفية من اجل التنمية نهاية العام الجاري سجلت القارة الإفريقية تقدما "ملموسا" في محاربة الفقر و المجاعة, لكنها مطالبة ببذل المزيد من الجهود لرفع التباطؤ المسجل, و الذي يرجع الى عدم القدرة على تسوية المشاكل المتعلق بالامن الغذائي, و تشير تقارير في الظرف الراهن الى تقدم في مجالات التربية للجميع, و المساواة بين الجنسين في المدارس, وترقية المرأة, اضافة الى الجهود الرامية الى مكافحة فيروس المناعة المكتسبة و الامراض و الاوبئة كالملاريا و الايبولا. أهداف التنمية: انجازات في مجالات و أخرى تنتظر و استنادا إلى وثيقة قدمها خبراء أفارقة حول تقرير 2015 المتعلق بالتقدم المحقق في مجال تجسيد أهداف الالفية من اجل التنمية في افريقيا فإن التباينات الكبيرة في معظم الاقتصاديات الافريقية "وضعت تقليص الفقر بعد النمو الإقتصادي". علاوة على هذا هناك ارتفاع أسعار المواد الغذائية و الجفاف المتكرر بمنطقة الساحل و القرن الإفريقي مما يفسر التباطؤ في تحقيق نمو في مستويات التغذية. وفيما يخص قطاع التربية و التعليم الإبتدائي أشار التقرير إلى أن أغلبية دول القارة "حققت معدلات تمدرس تفوق 90 %" مع إبداء تحفظات فيما يخص نوعية التعليم الذي يبقى "تحديا أخرا" ينبغي رفعه. وبالنسبة لمعدل الوفيات في وسط الأطفال (اقل من خمس سنوات) و الأمهات فقد تم تقليصه ب 47 % ما بين سنة 1990 و 2011 إستنادا إلى الوثيقة. و في مجال مكافحة فيروس السيدا و الملاريا و أمراضا أخرى تمكنت القارة من "تقليص انتشار هذه الأمراض" بحيث تراجعت نسبة انتشار داء السيدا من 9ر5 % سنة 2001 إلى 9ر4 % عام 2011 و هذا بفضل الإرادة السياسية القوية و التدخلات المناسبة و العلاج المضاد للفيروسات. كما نجحت القارة في وقف انتشار مرض السل و الملاريا. ومن جهة أخرى لم تسجل الشراكة العالمية من أجل التنمية التي تعتمد على المساعدة العمومية للتنمية النتائج المرجوة بسبب الأزمة المالية العالمية و المديونية الخارجية للعديد من الدول الإفريقة. وقد سجلت المساعدة العمومية للتنمية لفائدة البلدان النامية و الأقل تقدما تراجعا بنسبة 4 % سنة 2012 مقابل 3 % سنة 2011. وفيما يخص الجانب المتعلق بالتغيرات المناخية حققت إفريقيا "أداءات جيدة" فيما يخص تقليص انبعاثات الغاز المتسبب في الإحتباس الحراري و المواد المتسببة في إضعاف طبقة الأوزون مع تسجيل تغطية غابية في تراجع مستمر إضافة إلى صعوبة في تحقيق بعض البلدان الإفريقية لأهداف التنمية في مجالي الماء و التطهير. و على ضوء تقرير اصدره البنك الدولي عام 2013, فإن النمو الاقتصادي الذي تشهده القارة الإفريقية قد أسهم فعلا في محاربة الفقر في القارة في السنوات العشر الماضية, كما أن نسبة الأفارقة الذين يتقاضون أقل من 1.25 دولار في اليوم انخفضت من 58% من مجموع سكان القارة إلى 48.5% في الفترة المحصورة بين عامي 1996 و2010. هذا التحسن في الأداء الاقتصادي الإفريقي الذي حصل والعالم لم يتعاف بعد من ازمته الاقتصادية ونزيفه المالي منذ ما يقارب خمس سنوات, دفع بالباحثين والمهتمين بالشأن المالي والاقتصادي في إفريقيا و لاسيما في منطقة جنوب الصحراء إلى التنبؤ بان مؤشرات النمو الاقتصادي في إفريقيا, و لاسيما افريقيا جنوب الصحراء تبشر بمستقبل يعد بنمو "مطرد" وتحسن في الوضع الاقتصادي الداخلي. وضع سياسي مقلق رغم الجهود المبذولة يثير المشهد الامني في بعض دول القارة الافريقية مخاوف بشأن التحديات الصعبة التي اضحت تهدد القارة ما ينعكس سلبا على الانجازات المحققة في مجال التنمية و الاقتصاد. فما فتئت الازمات التي تعصف ببعض اجزاء القارة السمراء كمالي و افريقيا الوسطى و جمهورية الكونغو الديمقراطية و الصومال ونيجيريا و بوروندي مؤخرا, ان تسجل انعكاسات سلبية على اقتصادياتها. و لم تنجح الاتفاقيات السلام المبرمة في اطفاء لهيب النزاعات العرقية والطائفية حيث يتواصل نشاط الجماعات المسلحة و الإرهابية, كبوكو حرام و حركة الشباب الى جانب المنظمات الاجرامية التي تنشط في مجال المخدرات و الجريمة المنظمة, لا سيما في منطقة الساحل. و لكن الرغبة السياسية في انهاء التوتر الذي يعصف ببعض دول القارة دفها الى السعي الى ايجاد ميكانزمات من شانها تحقيق السلم و الامن عبر الحوار, على غرار مالي التي نجح في التوقيع على اتفاق تاريخي "اتفاق السلام والمصالحة الوطنية" في خطوة اعتبرت "أساسية " لتحقيق السلم والتنمية المستدامة في شمال البلاد. و ايمانا منها بأن الحوار هو السبيل الوحيد من أجل تسوية الأزمة بمنطقة شمال مالي فقد قادت الجزائر الوساطة الدولية للحوار المالي بشكل فعال, ما سمح بتتويج جهود استغرقت 8 اشهر ب"اتفاق السلم و المصالحة" مؤكدة بذلك التزامها "المطلق" بالسلم و الاستقرار في مالي. و وقعت الاطراف المالية المعنية بالحوار من أجل تسوية الأزمة بمنطقة شمال مالي /ممثل الحكومة المالية و الحركات السياسية-العسكرية لشمال مالي المشاركة في أرضية الجزائر و كذا فريق الوساطة الدولية برئاسة الجزائر/ الى جانب حركتين من بين الحركات الخمسة التي تعدها تنسيقية حركات الازواد وهما التنسيقية من أجل شعب الازواد و تنسيقية الحركات و الجبهات القومية للمقاومة. و من شأن هذا الحدث التاريخي ان يشكل حافزا للدول التي توجد بها بؤر للتوتر في افريقيا لانهاء حالة اللاإستقرار المستشرية و اعادة بناء المؤسسات دولهم للانطلاق نحو المصالحة و إنعاش الاقتصاديات . (بقلم: قارون إيناس )