كل من يزور ولاية بجاية سائحا أو في إطار أعمال فانه حتما سيحدثك عن الأمن و الطمأنينة التي تنعم بها شوارع هاته المدينة الساحلية سواء تتجول عبر أزقتها أو في شوارعها الكبرى و هو ما تشير إليه آخر الإحصائيات الأمنية بخصوص ذات الولاية التي تأتي في المراتب الأخيرة من حيث معدل الجريمة و اللصوصية عبر الوطن. و حيث أن المقام هنا ليس مقام الإشهار لوجهة سياحية و الترويج لولاية هي في الأصل ضمن قائمة اختيارات كل من يريد السياحة و الاستجمام بل المقام هنا هو أن نتساءل عن الأسباب التي أدت ببجاية إلى تبوأ هذه المنزلة وسط ولايات الوطن و كذا لنضع مجالا للمقارنة بينها و بين الجلفة التي لها إمكانيات تتميز بها عن بجاية و عن باقي ولايات الوطن. بطبيعة الحال سوف يجنح الكثير منا إلى القول أن انتعاش السياحة ببجاية يعود بالدرجة الأولى إلى التغطية الأمنية بها كونها ولاية ساحلية و انتعاش التجارة يعود إلى مينائها الذي يشكل بوابة للتجارة الخارجية لشرق البلاد لاسيما لأسواق دبي بالعلمة و سطيف غير أن هاته الأجوبة لن تعطي الإجابة الدقيقة عن أسباب تصنيف بجاية ضمن الولايات الأكثر أمنا على مستوى الوطن. الآن نحاول بشيء من التفصيل البحث في هاته الأسباب و ليكن ذلك بطريقة البرهان بالتراجع أي ننطلق من إحصائيات التي تتداولها الصحف حول أن أغلب الذين يدخلون السجن هم من فئة الشباب البطال الذين ليس لهم مؤهلات علمية أو كفاءات مهنية معينة فتراهم يمتهنون اللصوصية و السطو و ديدنهم في ذلك أنهم ضحية للمجتمع و يجب الانتقام منه. فهؤلاء الشباب البطالون هم القنبلة الموقوتة التي انفجرت و نرى الآن شظاياها في ظواهر جديدة على المجتمع الجزائري كالحرقة و تعاطي المخدرات و اللصوصية و ظاهرة الانتكاسية في الإجرام و غيرها(...). و هكذا استطاعت ولاية بجاية - بفضل نسيجها الصناعي الكبير لا سيما في قطاع الصناعة الغذائية (المشروبات،مشتقات الحليب و غيرها)- امتصاص فئة كبيرة من بطاليها بكل أصنافهم سواء الحاملين لشهادات علمية أو أصحاب الكفاءات المهنية المتخصصة أو الشباب القادرين على أداء أعمال لا تتطلب أي كفاءة معينة و بذلك قدر لهؤلاء الشباب أن يكونوا سواعد لبناء ولايتهم بفضل التفكير الراقي و الحضاري لأصحاب رؤوس الأموال هناك. و قد يقول قائل - أكيد من الجلفة- أن الإستثمار في هكذا صناعات يتطلب رؤوس أموال ضخمة و عقارات واسعة و غير ذلك من مبررات الذين يكنزون الذهب و الفضة و طبعا الجواب عليه أن ندعوه إلى تناول "قازوز" في ثلاث مقاهي مختلفة و في كل مرة يطلب نوعا معينا و يرى أسفل القارورة مكان تصنيع هذا المشروب. و أبقى مع صاحب "القازوز" لأخبره أن الإستثمار في مجال صناعة "القوازيز" و عصائر الفواكه على سبيل المثال أبسط مما تتصور بل أبسط من صناعة "الهرماس " من "المشماش" مع كل الاحترام و التقدير لأمهاتنا اللائي يتفنن في الإبداع و الإنتاج لصنع الصلصة الجلفاوية و دون انتظار الطماطم المصبرة من ولايات و دول أخرى... تصوروا معي لو أن بعضا من ميسوري الحال لدينا فكروا في بعث صناعة غذائية بولاية الجلفة و نأوا بأنفسهم عن العقلية المقاولاتية و تجماع "قهوة المقاولين" فكيف سيكون حال بطالي الجلفة ...ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم عندما يشربون عصيرا مصنعا في ولاية أخرى و الحال أنهم يفكرون في كيفية خطف ذلك المشروع و لو بالرشوة و التملق للمسؤولين... ننتقل الآن من القازوز إلى اللحوم .. بالله عليكم أجيبوني كيف بولاية الجلفة تستورد "الكاشير" و "الباتي" و.. و فيها أكثر من ربع الماشية الجزائرية و أحسن سلالة أغنام في العالم من حيث نوعية اللحوم و القيمة الغذائية و يبدو جليا هنا أن "الشراقة" يعرفون جيدا قيمة الثروة الحيوانية التي ترعى بمراعي الجلفة فتراهم يحجون إليها كل اثنين...و بإمكانكم التأكد من ذلك أمسية كل أحد عند فندقي "الحسين" و "الحرفة" بوسط المدينة حيث ستجدون شاحنات بترقيم ولايات شرقية حدودية مع تونس؟؟؟ و بطبيعة الحال المقام هنا أيضا ليس مقام "القازوز" و "لحوم الجلفة".. و إنما المقام هو التطرق إلى العقلية المقاولاتية السائدة بالولاية لأن العدد الكبير جدا للمقاولين (حاشا النزهاء؟؟) هو بالأساس السبب في انتشار الرشوة و المحسوبية و المنافسة غير الشريفة على اعتبار أن المقاولة لها ارتباط بعدة مصالح إدارية (CNAS.CASNOS .CACOBATPH. LES IMPOTS. TRESORERIE. LES BANQUES .LES APC... ) الآن لنعقد مقارنة أخرى و بسيطة جدا بين جالية الجلفة في المهجر و جالية بعض الولايات الأخرى من حيث نشاطهم لصالح مسقط رأسهم...المغتربون في الولايات الأخرى يجلبون معهم عند عودتهم من الخارج (خاصة فرنسا) ماكينات لورشات مصغرة لصناعات بسيطة لشباب الدوار أو القرية التي ينتمون إليها كورشات صناعة " القوفريط ،الشوكولاطة و حتى البلاط " أما الحال عندنا فهو جلب "الشيفون" و السيارات القديمة و الهواتف النقالة المستعملة أو شراء "الأحواش" بمعدل "حوش" في كل صيف...الله يبارك!! .. و لكن لا مجال للتعليق هنا فالفرق جد واضح في طريقة التفكير الحضارية. أخيرا هل سكان مدينة "موبتي" بدولة مالي أفضل موردا و كفاءات منا عندما فكروا في ابتكار صناعة محلية لإنتاج البلاط العمراني...إنها فكرة بسيطة جدا تمكن من خلالها سكان مدينة "موبتي" من صنع بلاط ذو نوعية رفيعة عن طريق إذابة النفايات البلاستيكية الممزوجة برمل الصحراء و صبها في قوالب خاصة و بالتالي ساهموا في تنظيف محيطهم و الحفاظ على البيئة و كذا امتصاص نسبة هامة من البطالين. ترى إلى متى ستبقى الجلفة سوقا لرواج المنتوجات التي يتم جلبها من الولايات الأخرى؟ و هي الولاية التي حباها الله بالموقع الجغرافي المتميز(همزة الوصل كما تعلمناه في المدرسة) و المواد الأولية التي لا تتوفر في الولايات الأخرى و اليد العاملة الكفأة و غيرها...و هل هناك دراسة وافية (Monographie) لإمكانيات الولاية في مختلف المجالات؟ رابط المقال