أحاطنا السيد محمد خلادي المدعو «سي خالد» خلال النقاش الثري الذي ساد «ضيف الشعب» خلفيات نجاحات الديبلوماسية الجزائرية القائمة على « المرجعية الثورية» أي ماورد في المواثيق الأساسية التي تعد بمثابة الأرضية الصلبة لأي مبادرة تلوح في الأفق. من هنا كانت البداية لمسار طويل شاق ومضن من أجل إرساء قواعد هذه المنظومة وفق نظرة لا تخرج عن نطاق ما نص عليه بيان أول نوفمبر أي حمل هذه القيم بداخل الجزائري لتكون تلك البوصلة التي توجهه إلى الأهداف المتوخاة شعارها اليقظة ثم اليقظة لتجاوز مايخططه الطرف الفرنسي والسعي دائما من أجل استباقه في المسائل الحيوية وإحباط مبادراته وتحركاته التي كانت تستهدف الثورة. وفي سياق حديثه كان السيد خلادي يعتمد علي إعطاء المعلومة التي هي عبارة عن رسالة واضحة المعالم في صلتها مع ما ذكرناه سالفا من التحلي بالفطنة وقوة الملاحظة. عندما يتعلق الأمر بمواجهة الآخر والوقوف له بالمرصاد والتصدي لكل محاولته الرامية لإضعافنا وقمة هذه الندية هو اعتراض الكثير من الرسائل التي كان يبعث بها العسكريون الفرنسيون من بينها التي أمروا فيها بارتكاب المزيد من القتل ضد الجزائريين. وهذا في حد ذاته يترجم تلك الإرادة الفولاذية، والحس العالي في التشويش على الفرنسيين ومقارعتهم في الميدان لإحباط كل مخططاتهم الجهنمية وإبراز لهم قدرة مصالح الثورة الجزائرية، في إفتكاك منهم ماكانوا يعتقدون بأنه «سري جدا» دون أن يشعروا بذلك ..عبر « اللاسلكي». في خضم هذا الزخم الثوري، اكتسبت الطلائع الثورية الجزائرية تكوينا وتجربة في إدارة المواقف الكبرى منها الدبلوماسية وانطلقت العديد من الوفود إلى الكثير من البلدان قصد شرح عدالة القضية الجزائرية لدى هذه الأمم بالرغم من الضغوطات الفرنسية. وفي كل مرة يربط السيد خلادي مابين رصيد الثورة وتراكمات العمل النضالي والتحولات الراهنة انطلاقا من مبدأ أنها حلقات لا تنفصم عن بعضها البعض، نفس المعركة ماتزال متواصلة لكن بوسائل أخرى وفي فضاءات حيوية ثانية. وعليه، فإن شغلهم الشاغل هو السعي لتقزيم دور الجزائر على أكثر من صعيد وإضعافها في التأثير على مجريات الأحداث بالمنطقة، والمقاربة المتبعة من قبل الجزائر تحرج الكثير من هؤلاء كونها تستند إلى فضائل الحواربين كل الفرقاء وهذا مايحصل في ليبيا ومالي وفي نطاقات أخرى. هذا العمل الديبلوماسي المتوجه إلى الآخر، إنما يراد منه التوصل إلى حزمة من الالتزامات وهذا أولا بالكف عن النشاط المسلح، والعودة إلى الخيار السلمي، لتأمين الحدود ومنع تسرب الأسلحة والمسلحين..لذلك فإن الفعل الاستباقي هو أولوية المسعى الديبلوماسي الجزائري أي الوقاية من أي تحركات غير متوقعة. ولابد من التأكيد هنا أن ما أنجزته الجزائر في هذا الشأن هو ترجمة حقيقية لسياستها الخارجية المبنية على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. هذا الخيار الديبلوماسي للجزائر، سمح بأن تتبوأ موقعا محترما على الصعيدين الدولي والإقليمي وتكون لها الكلمة الفاصلة في تسوية الملفات الشائكة بالتنسيق مع كل الأطراف المعنية وتحت إشراف الأممالمتحدة وهوما وقف عليه المتتبعون خلال التوقيع على الاتفاقيات بين الماليين وكذلك بين الليبيين. وهذه الحيوية المسجلة في مسار الديبلوماسية الجزائرية تعد جزءا لا يتجزأ من المسعى الشامل المنجز في هذا الصدد، لذلك فإن عيون الآخرين، لا ترتاح لماتقوم به الجزائر في هذا الإطار وتعمل على نسف هذه الجهود، وهذا بالإكثار من المبادرات، عمدا لتمييع ما يجري وقد حذرت الجزائر من ذلك بالأممالمتحدة خلال الدورة الأخيرة. لذلك، فإن هذه القوى الكبرى تدرك جيدا وأكثر من أي وقت مضى بأنها لا تستطيع العمل بدون الجزائر وأي تفكير حول المنطقة لابد وأن يمر عبر الجزائر وهذا بفضل ديبلوماسيتها التي أفرزت واقعا جديدا في المنطقة.. هدفه إشاعة السلم والأمن وتثبيت الاستقرار.