قوجيل يشيد بالاستراتيجية المنتهجة في التكوين للجيش الوطني الشعبي    التحضير لنموذج طاقوي وطني يسمح ببناء رؤية استشرافية    غرداية: تكثيف الجهود لتنظيم خطوط النقل البري لضمان راحة المسافرين    وضع حيز الخدمة مشروع خط السكة الحديدية خنشلة عين البيضاء قبل نهاية الشهر الجاري    سوناطراك توقع بروتوكول اتفاق مع الشركة السويدية تيثيس أويل إيه بي    الرئيس تبون يستقبل رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية    بارا جيدو (العاب برالمبية- 2024): ارتقاء المصارع الجزائري عبد القادر بوعامر بعدة مراكز في طريق التأهل الى موعد باريس    حوادث المرور: وفاة 47 شخصا وإصابة 2017 آخرين بجروح خلال أسبوع    توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للتسيير المدمج للموارد المائية وشركة سيال    بلمهدي يبرز أهمية هياكل القطاع كصمام أمان للمرجعية الدينية الوطنية    كأس الجزائر : عملية القرعة تقام اليوم بمقر التلفزيون العمومي    التقاطعات الخارجية والوقائع الغامضة في حرب السودان!    بمناسبة الاحتفالات المخلدة ليوم العلم بقسنطينة.. نقل مكتبة العلامة عبد الحميد بن باديس رسميا إلى جامع الجزائر    يعرض 7 أعمال سينمائية فلسطينية تباعا طيلة أيام التظاهرة .. "فيفا -تحيا- فلسطين" برنامج خاص في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين المحررين : خرق صارخ لصفقات التبادل تغذيه نزعة انتقامية صهيونية    إنعقاد الدورة الأولى للمجلس الإستشاري لمعرض التجارة بين البلدان الإفريقية بالجزائر    العرباوي يستقبل سفير جمهورية البرتغال لدى الجزائر    بتكليف من رئيس الجمهورية, السيد عطاف يقوم بزيارة عمل إلى نيويورك    فلسطين: رئيس الوزراء يطالب المجتمع الدولي بوقف العدوان الصهيوني على غزة ولجم إعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية    غزة: وزارة الصحة تحذر من كارثة في القطاع حال توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات    روسيا حريصة على تطوير شراكتها بالجزائر    يخص المترشحين الأحرار في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط: انطلاق الامتحان في مادة التربية البدنية والرياضية يوم 8 ماي    كعباش يفوز بكأس تركيا لكرة اليد    رفضت تأهيل ملعب بكامبالا واللقاء في بلد محايد: الكاف تمنح الخضر امتيازا قبل مواجهة أوغندا    في وقت تضاربت الأسباب ما بين "إعفاء" وعقوبة: استبعاد دحان بيدة من إدارة لقاء سوسطارة ونهضة بركان    أي دور للجامعة في الفضاء الاجتماعي؟    الجزائر تحتضن المعرض الإفريقي للتجارة البينية    وليد يعرض بسويسرا جهود الجزائر    دعت إلى وضع حد لآلة القتل الهمجي للشعب الفلسطيني: الجزائر تحذر من اتخاذ الرد الإيراني ذريعة لاجتياح رفح    تنويه بدور الجزائر المحوري داخل مجلس الأمن    في ذكرى يوم العلم..    "نوافذ على الآخر" كتابٌ جديد للدكتور أزراج عمر    وفق تقرير لجامعة هارفرد: الجزائري سليم بوقرموح ضمن أهم العلماء المساهمين في الطب    توقيف لص والقبض على عصابة اعتداء: وضع حد لعصابة سرقة المواشي بباتنة    عين عبيد: مطالب بالتهيئة والربط بالشبكات بقرية زهانة    انطلاق فعاليات أسبوع الوقاية: جمع 3790 كيس دم خلال شهر رمضان    وهران.. أكثر من 200 عارض منتظرون في الطبعة 26 للصالون الدولي للصحة    حجز 29 طنا من الكيف و10 ملايين قرص مهلوس    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    انطلاق عملية حجز التّذاكر للحجّاج المسافرين    جوان حجام يتحدث عن علاقته مع بيتكوفيتش    لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطين المستقلة    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    جهود لإبراز المقومات السياحية لعاصمة الصخرة السوداء    عصرنة خدمات "بريد الجزائر" لرفع مستوى الخدمة العمومية    20 مليون يورو لمن يريد عمورة    تراجع مقلق في مستوى بكرار في الدوري الأمريكي    المعتصم بالله واثق ميدني.. الطفل الذي أزهر عالم الأدب    ضبط 17كيسا من الفحم المهرب    استحضار الذكرى 26 لرحيل العقيد علي منجلي    إطلاق مسابقة حول التكنولوجيا الخضراء بجامعة قسنطينة(3)    إبراز المصطلح بين جهود القدماء والمحدثين    فرصة للاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية الجزائرية الأندلسية    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    تمكين الحجاج من السفر مع بعض في نفس الرحلة    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    قوجيل يهنئ الشعب الجزائري بمناسبة عيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رعاة في مهمة جوسسة لفائدة المهربين على الحدود مع تونس
نشر في الشروق اليومي يوم 02 - 05 - 2007

الفوضى الإدارية والقانونية المتعلقة بعدم تمكين حرس الحدود من آليات قانونية تتيح لهم مراقبة محطات البنزين التي يتزود منها الفلاحون ب 200 لتر من المازوت كل مرة يقومون بتخزينها، ثم تحويلها إلى المهربين التونسيين، خلف لدى الجانب الجزائري مافيا تقليدية غير منظمة في مادة المازوت المستمر نزيفه، أمس فقط ونحن نهم بمغادرة المنطقة أحبط حرس الحدود العاملون بسرية بورنان وفي المركز المتقدم سيدي صالح المتاخم للونزة ولاية تبسة محاولة تهريب 750 لتر مازوت
ما يرفع حصيلة الكميات المصادرة في ظرف الأربعة الأشهر الماضية إلى 4190‮ لترا،‮ وهو‮ رقم‮ يفوق‮ الآن‮ مجموع‮ ما‮ تم‮ استرجاعه‮ في‮ كامل‮ السنة‮ الماضية‮. أميار‮ يؤسسون‮ لتهريب‮ مقنن‮ للمواشي
الفوضى الإدارية يمكن ملاحظتها أيضا في قضية تهريب الماشية، فكل ما يدب فوق الأرض قابل للتهريب، ومقارنة بقطعان الماعز التي استرجعت مجموعة حراس الحدود 189 رأسا، والأبقار 14 رأسا، يشكل تهريب الأغنام آفة متعاظمة تهدد "التراث الوطني" في الصميم، حيث تم احباط تهريب 417 رأسا خلال سنة 2006 و80 رأسا خلال الرباعي الأول من هذه السنة، ما مجموعه 497 خروفا، وقصة الخروف الجزائري المهرب إلى تونس، حيث يباع للجزارة لحما وصلت شهرة لذته إلى إيطاليا، ثم أروبا ومنها يحمل إلى اسرائيل، مأساة في اتجاهين، أولا لأنها تمس الخراف الصغيرة، حيث يبيعه الجزائريون بهامش ربح يبلغ 3000 دج ومع فارق السعر ببيعه التونسيون في بلدهم ب 670 دينار تونسي ما يحقق لهم ربحا ب 200 دينار تونسي، ثم يعيدون بيع صوفه للجزائريين ب 120 دينارا للكيلوغرام الواحد!
ليست خرفان المناطق الحدودية هي التي تباع، إنما هناك موالين معروفين وبزناسة وبارونات محلفين معروفين بتجميع الخرفان القادمة من الولايات الجزائرية الداخلية بما فيها الجلفة، حيث يتم نقلها على مراحل باستغلال رخص بلدية لهؤلاء موقعة من طرف أميار تسمح بنقل الماشية، وطبعا فإن هذه الوثيقة التي غالبا ما تحرر في ورقة بيضاء عادية، هي الثغرة التي يتسلل منها المهربون للتهجير الجماعي للمواشي وكل ما يدب فوق الأرض من الأنعام، وعندما لاحظنا كثرة تحايل الموالين والتفاهم على التهريب بتهريب مقنن نتيجة هذا "الحرز الإداري" المسلم من أميار عادة ما يكونون جهلة أو متواطئون، طرحنا الأمر على قائد المجموعة الذي قال "هذا هو لب المشكل، فالوثيقة لا تحدد زمن وساعة الرخصة بدقة ولا تحمل مهنة الموال"، ومع انتشار الموالين الوهميين والتجار، يستطيع الموال استعمال الرخصة في عدة نقلات لمئات رؤوس الماشية في يوم واحد دون إمكان حرس الحدود من وضع حد له مادامت الوثيقة تمكنه بنقل المواشي إلى المناطق المتاخمة للشريط الحدودي، قبيل تهريبها بسبب خصوصية الشريط الحدودي الجزائري، حيث تقع مراكز الحراسة المتقدمة خلف السكان الحدوديين وليس أمامهم ما يجعل أمر المراقبة‮ صعبا‮ في‮ انتظار‮ خطة‮ إعادة‮ الانتشار.
‬ وفي‮ انتظار‮ خطة‮ إعادة‮ الانتشار‮ يجب‮ "‬وقف‮ نقل‮ رؤوس‮ الماشية‮ بهذه‮ "‬الوثيقة‮ الفوضوية‮" ووضع‮ بطاقية‮ وطنية‮ للموالين‮ لفرز‮ الحقيقيين‮ من‮ المافياويين‮". الواقع أن تهريب الماشية يشهد جملة من التحايلات منها لجوء المهربين الجزائريين الذين يرعون أغنامهم على بعد أمتار فاصلة فقط من نظرائهم التونسيين عادة ما يلجأون إلى رمي الخرفان في جانبهم بمجرد مرور دوريات الدرك، وحتى إن تفطن هؤلاء للأمر لا يمكن فعل شيء، لأنه لا يمكن الملاحقة داخل التراب التونسي، كما أنهم وبالنظر إلى تشدد حراس الحدود في مراقبة الخرفان الصغيرة المرشحة للتهريب، يلجأون إلى إخفاء الخراف الصغيرة وسط الكبيرة، وحتى إن كان القانون يسمح للشخص العادي نقل ثلاثة كباش في سيارته لكي لا يمكن اعتباره مهربا في المناطق الحدودية، يلجأ بعضهم إلى التهريب بالتقسيط الثلاثي من خلال نقلات متتالية!، وعلاوة على حتمية بطاقية وطنية للموالين، المطلوب حسب بعض الرسميين بطاقية خاصة للأغنام من خلال "الترقيم التسلسلي" للخرفان من خلال وضع علامات خاصة ودمغة خلف الأذن لتحديد ملاكها الحقيقيين‮ وكيفيات‮ انتقالها‮.
لكل منطقة في الشرط الحدودي اختصاصها التهريبي الغالب وليس الوحيد، فمنطقة بورنان وعين الزانة بولاية سوق أهراس تشتهران بتهريب المازوت مقابل السكر والعجائن للأولى، وتهريب المواشي والأبقار للثانية مقابل الخراطيش أحيانا، أما مناطق برج بولعراس والعيون بولاية الطارف فتشتهران بتهريب المازوت مقابل "الصوف" للأولى، والمرجان والمخدرات بالنسبة للثانية، وتهريب المرجان الذي عادة ما يضبط في الحدود البحرية للطارف أو عنابة أو محملا فوق حقائب ظهرية يحملها المهربون فرادى، حيث تم حجز 12.5 غراما لدى مهرب بمنطقة العيون، علما أن الغرام‮ الواحد‮ يباع‮ ب‮ 8000‮ دج‮!‬
أطنان‮ من‮ الصوف‮ مقابل‮ نقود‮ أثرية
إذا كان معروفا الآن أن المهربين الجزائريين "يصدرون" المازوت والبنزين والأغنام والأبقار والماعز، فإنهم يستوردون الطماطم المصبرة التي تباغ ب 14 دينارا تونسيا أي ب 81.02 دنيارا جزائريا لبيعها ب 110 دج بربح صافي في الكيلوغرام الواحد يتجاوز 30دج، حيث حجزت مصالح الدرك 772 كيلوغراما أي 7.72 قناطير في الفترة الممتدة بين 1 جانفي 2006 إلى 26 / 04 / 2007 (15 شهرا) ويجلبون السكر الذي يباع في تونس ب 6.6 دنانير جزائري في الكيلو الواحد، حيث تم حجز 5423 كلغ (5.4 طن) سنة 2006 و 753.8 كليوغراما خلال الأربعة أشهر الماضية من 2007، وعندما أصيب سوق البطاطا بارتفاع سعره هنا استقبل المهربون 687 كيلوغراما من البطاطا التونسية التي تباع ب 4 دنانير تونسية ما يقابله 23.02 دينارا جزائريا لإعادة بيعها بضعف الثمن في الجزائر عندما بلغت سعر 40 دج للكيلوغرام الواحد، وفيما نجد على لائحة المهربات من الجزائر إلى تونس قطعا نقدية أثرية رومانية حجزت منها 11 قطعة سنة 2006 وهي مصنفات ذات قيمة تاريخية ثقيلة، فإن المهربين الجزائريين أكثر إقبالا على أخف مادة وهي الصوف التي تهرب من تونس وتباع ب 120 دج للكيلوغرام الواحد، حيث قدرت محجوزات حرس الحدود 2227‮ كيلوغراما‮ سنة‮ 2006‮ و1556‮ كيلوغراما‮ في‮ الأشهر‮ الأربعة‮ الماضية،‮ ما‮ يرفع‮ الوزن‮ الإجمالي‮ الى‮ ثلاثة‮ أطنان‮ وسبعة‮ قناطير‮!‬
البلبوزة‮ لإنتاج‮ محاليل‮ صيدلانية‮... والداد‮ الجزائري‮ للماكياج‮ الأوروبي
يتساءل كير من المختصين في مكافحة التهريب عن مصدر "الثقاف التهريبية" المتغلغلة وسط الفئات الممارسة لهذا النشاط، والوسائط التي توجههم نحو تهريب بعض "المواد" الظاهر أنها تافهة، لكنها غالية الأثمان بمجرد خروجها وراء الحدود، ولم أفهم هذا التساؤل إلا عندما علمت أن أفواجا من البشر والعائلات التي رأيتها في المزارع الواقعة على طول الشريط الحدودي من رأس سكلاب بالطارف إلى سيدي صالح بسوق أهراس كانت تنبش في التراب بحثا عن نبات "الداد" و"البلبوزة" المسماة في مناطق أخرى بالبصيلة، التي تظهر على عمق سنتيمترات تحت التراب خلال أشهر مارس وأفريل وماي، إلا عندما أكد لنا تقرير مفصل عن المحجوزات حجز مصالح الدرك ل 350 كيلوغرما من جوز الصنوبر (الزقوقو) في الأشهر الماضية، وإفشال محاولة تهريب 329 كيلوغراما أي ثلاثة قناطير كاملة من نبات الداد خلال السنة الماضية، وفيما يتم تحويل (الزقوقو) إلى تونس بهدف استعماله كزينة غذائية في الحلويات والمرطبات، فإن نبات الداد ذي الجذور الحلوة وأحيانا سامة قاتلة مثلما حدث مع ثلاثة رعاة بولاية سطيف، يستغله التونسيون الذي يعيدون بيعه لمخابر إيطالية مختصة في تحضير المستحضيرات التجميلية والعطرية مقابل أثمان مرتفعة بالعملة الصعبة، ونفس الأمر ينطبق على نبات "البلبوزة" أو البصيلة المعروف في اللغة الفرنسية تحت مسمى Tubureuse، أي المسك الرومي، وهو نبات عشبي من فصيلة النرجسيات، يستعمل كغذاء للخنازير، وتستخدم سوائله الطرية المتلبدة في صناعة الغراء، لكن أهم خاصيته التي‮ ثبتت‮ حسب‮ القواميس‮ المعتمدة‮ أنه‮ يستخلص‮ منه‮ محلول‮ صيدلاني‮ خاص‮ بداء‮ السكري،‮ ونظرا‮ لخصائصه‮ المطلوبة‮ فإن‮ المهربين‮ التونسيين‮ يحولونه‮ بدورهم‮ إلى تجار‮ إيطاليين‮ في‮ الضفة‮ الأخرى‮ للمتوسط‮.‬
رعاة‮ يتجسسون‮ على‮ حرس‮ الحدود‮ مقابل‮ »‬منحة‮«‬؟
تنامي ظاهرة التهريب على الحدود الشرقية فرض على المهربين استعمال وسائل جديدة كالحقائب الظهرية لتهريب المخدرات، واستعمال الدراجات النارية لتجاوز المسالك الجبلية، وفي حين تعد الكمائن المنصوبة أفضل علاج للحد من المتسللين عبر الجبال بحقائب ظهرية، فإن اقتناء وحدات حرس الحدود لسيارات ستايشن "رباعية الدفع" بسرعة 240 كلم في الساعة يجعل من أمر تعقب السيارات والدراجات النارية المهربة للمازوت ممكنا فوق التضاريس الوعرة، غير أن أكثر الوسائل قلباً للمعادلة هي الهاتف النقال، فمنذ انتشاره في الجزائر تنامت هيكلية التهريب وواجهت عمليه مكافحته عقبات إضافية، تنضاف إلى العائق الرئيسي المتعلق بانتماء المهربين الجزائريين والتونسيين إلى عائلات واحدة قرابة ومصاهرة ضمن عصبة مغلقة وتتصل فيما بينها بيسر لتحديد المواد المرشحة للتهريب وفق فوارق السعر في كل بلد والهامش المراد تحقيقه، فهناك بورصة يومية بورصة المهربين الذين يتبادلون معلومات الأسعار لتحديد السلعة القابلة للتهريب المحققة للربح لكل طرف، وفي هذه الأيام يفكر المهربون الجزائريون إدخال فاكهة "الفراولة" الذي يباع في تونس ب4 دنانير تونسية للكيلو ما يقابله 28 دينارا جزائريا بغرض إعادة‮ بيعه‮ بفائدة‮ تقدر‮ ب120‮ دينار‮ جزائري‮!‬
ومنذ انتشار جهاز النقال صارت عمليات التهريب عمليات حسابية تعتمد على السرعة والجوسسة والمراقبة، وليس رجال الدرك من حرس الحدود هم فقط من يراقبون... بل هم مُرَاقَبون أيضا من مخبرين يوظفهم المهربون الكبار والعاديون بمبالغ مالية حيث يفضل هؤلاء الانتشار في شكل رعاة ويقومون برصد تحركات الحرس، هذا ما قاله لي الرائد يادري بعدما خرجنا في رحلة استكشافية لبعض المواقع المتقدمة بولاية الطارف، وتحديدا إلى سرية برج بولعراس ومركز سليانة المتقدم الذي وصلناه بعد ساعة سير شاقة في منعرجات ومرتفعات زادتها صعوبة الطريق بين أولاد دريس وبوحجار في واقع حال يؤكد تدهور قطاع الطرقات في هذه المناطق بفعل انزلاقات التربة والأرضية، بعد مسافة مئة كيلومتر وصلنا إلى الموقع المتقدم الواقع قرب وادي إيروڤ الفاصل بين حدود الجزائر وتونس مع تداخل بين مناطق البلدين في العمق من خلال نتوء جغرافي لايتجاوز الوادي ويوفر مايعرف مسالك مشتركة بين مواطني البلدين. أطلع قائد الوحدة مرؤوسه أنه يتعرض لضغوط من أحد المهربين عقب حجز عشرات الكيلوغرامات من الصوف المهربة، وتقدمنا بعدها إلى حدود الوادي الفاصل بين تراب البلدين، وتفرض حالة وجود الوديان نصب الكمائن في عمقها باتجاه الناحية الخلفية، وشاهدنا هناك صعوبة العمل الميداني الذي يقوم به عناصر حرس حدود سليانة، حيث لاتبتعد منازل التونسيين والجزائريين عن بعضها سوى ببضعة أمتار فقط، كما أن بعضها لايقع سوى على مرمى بصر، وفي مثل هذه الحالات يؤكد مرافقنا "المهربون ونتيجة توفر الاتصالات بواسطة أجهز نقالة ينصبون مخبريهم فوق الهضبات والتلال وقد يكون رعاة ماشية يقدمون خدمة التجسس بمقابل، ويوفر لهم هؤلاء تغطية، كما يعتمدون على أشخاص آخرين يعرفون بمسمى "فاتحو الطريق" والذين يقومون باستطلاع الأوضاع وتواجد حرس الحدود باتجاه الطرق المؤدية‮ إلى‮ العمق‮ الجزائري‮".‬
في هذا الموقع المتقدم يمكن ملاحظة أن بعض الدواوير المتفرقة الواقعة في الطرف الجزائري على غرار سكحالة ومعاطلية والتبشارية مقابل لدواوير تونسية هي درايعية والموخر، مع ملاحظة الميزة الأساسية للتكوين البشري للمهربين الذين ينتمي معظمهم إلى عائلات مختلطة جزائرية - تونسية ففيهم ابناء الأخوال والمتصاهرون والمتزوجون ما يعطي لطابع مواجهته طابع مواجهة عصبة عائلية واحدة وعشيرة قبلية متجانسة تتحدد حسب الحالة المدنية والحالة الاقتصادية والاجتماعية معا، ونفس الخلاصات يمكن تعميمها على المواقع المتقدمة التي زرناها عن قرب أو اطلعنا عليها عن كثب، سيدي مسعود والصخيرة، وحمام سيدي طراد، وكافة المواقع المنتشرة على طول قطاع الشريط الحدودي الطويل. ليست هذه العوائق سوى عينة عن المصاعب التي يواجهها حرس الحدود بتفانٍ وإخلاص كبيرين ومثابرة في ظروف مناخية صعبة سببت لبعضهم متاعب صحية كاضطراب الساعة البيولوجية نتيجة قلة النوم وكثرة السهر على حماية الحدود، إضافة إلى أمراض متعلقة بالتهاب اللوزتين والشقيقة والصداع المزمن نتيجة أداء المهام تحت حرارة الشمس وبرد الشتاء القارس، وحتى عندما زرنا هؤلاء وجدنا أنهم لايعرفون كلمات الأعياد، ففي عيد راحة العمال،‮ لايعرف‮ هؤلاء‮ سوى‮ عيد‮ الأعمال‮ اليومية‮ لتأمين‮ الحدود‮ ووقف‮ نزيف‮ الاقتصاد‮!‬
دعم‮ تهريبي‮ من‮ الأمام‮... ورشاوى‮ من‮ الخلف؟‮!‬
بحسب قائد المجموعة 18 لحرس الحدود، فإن هؤلاء جابهوا في السنوات الماضية صعوبات إضافية من طرف بعض الحراس التونسيين الذين يقومون بتصرفات معزولة وانفرادية، حيث تؤكد معطيات متوفرة لديه قيام بعضهم بتقديم معلومات للمهربين حول أماكن تواجد الدوريات الجزائرية ونقاط الكمائن وتحرك الدوريات المتحركة والراجلة، ما يوفر دعما لوجيستيكيا للمهربين الذين يستغلون تلك المعلومات الثمينة لإتمام صفقات التهريب، حدث هذا في السنوات الأخيرة، لكن ومنذ اشتبكات مصالح الأمن التونسي مع عناصر إرهابية مسلحة في حمام الأنف وقرومباليا وسلمان جنوب العاصمة تونس، والتي أكدت تواجد جماعات سلفية جهادية عقب مقتل مجموعة أشخاص وتوقيف آخرين، أصبح التونسيون يدركون حجم المخاطر المشتركة بين البلدين الشقيقين حيث ضاعفوا من الإجراءات الأمنية الصارمة والمتشددة، فقد يتسامح التونسيون مع التهريب الخفيف، لكن عندما يتعلق بالأمن والشؤون الاستراتيجية فإنهم يظهرون صرامة أكثر وهذا في فائدة الجميع، حيث يعقد الطرفان لقاءات تنسيق دورية لمعالجة الإشكالات العالقة والتفاهم باستشارة الجهات الوصية مركزيا والقيادات العسكرية والمدنية للبلدين، مثلما حدث في قضية إطلاق الحرس الوطني التونسي الرصاص ضد مهرب جزائري داخل الإقليم الجزائري، ما تطلب حضور ممثلي السفارة التونسية بالجزائر ما يعكس أجواء الحوار المفتوح والثقة المتبادلة حتى في الفترات العصيبة. كما أن الجانب التونسي يقوم برد الأشخاص الجزائريين المشبوهين إلى أوربا ولا يسمح لهم بعبور التراب التونسي والدخول إلى الجزائر حتى وإن كانت لهم أوراق إقامة إيطالية أو فرنسية بسبب "الشبهات" والهواجس الأمنية. وبغض النظر عن بعض العوائق المتحكم فيها مع الجيران، يتعرض حرس الحدود إلى عوائق داخلية يصنعها جزائريون، فغداة تنقلنا إلى مركز أولاد عباس مع دورية حرس الحدود تفاجأنا بوجود مسلك مقطوع قامت العناصر بإزالته قبل أن أعرف أن هذا من عمل بعض الفلاحين الذين يحاولون منع الدوريات القيام بمهامها بحجة "التعدي على أملاكهم الفلاحية وأحيانا بحجة الحرمة"، فيما يعكس الواقع حقائق أخرى تعكس تخوف بعض الفلاحين المهربين على مستقبلهم التهريبي. ولا تتوقف الضغوط عند هذا الحد، بل تتعداها إلى كتابة شكاوى مجهولة إلى القيادات العسكرية والمدنية ضد الأفراد بهدف إزعاجهم، دون الحديث عن "الإغراءات المادية ومحاولة إرشاء الأعوان والضباط، حيث عرض أحد مهربي الماشية بعدما حجزت عناصر مركز أولاد عباس 95 رأس غنم على رئيس المركز الضابط الشاب مبلغ 70 مليون سنتيم للتراجع عن عملية الحجز، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل بعدما رفض الضابط الخضوع لابتزاز المهرب. وعلى نفس المنوال رفض النقيب عالم بن علي نائب قائد المجموعة رشوة ب30 مليون سنتيم حاول تاجر مهرب قطع غيار منحها له للتراجع عن الحجز، دون أن تنجح إغراءات التاجر لرفع الحجز عن سيارة كانت تهرب 65 قطع غيار من تونس إلى الجزائر، وتعكس هذه المواقف الرجولية لعناصر المجموعة 18 حجم الشعور بالمسؤولية وخدمة الصالح العام دون البحث عن الوضع الخاص في مواقع عمل تدر الملايير لو أراد أصحابها استغلالها. وفي سياق متصل أكد قائد المجموعة أن إثارة أية شبهة خفيفة في حق الأعوان تكلفهم التحويل، فيما تسمح قرائن الشبهة بفتح تحقيق حول عملهم تفاديا للتلاعبات والمنطق الفاسد.
خطة‮ انتشار‮ جديدة‮ لاستئصال‮ التهريب‮ سنة‮ 2009
ثمة خلل استراتيجي واضح في كيفية توزيع مراكز المراقبة المتقدمة، ويبدو هنا أن الجانب الجزائري يدفع أحيانا ثمن الأخطاء الإدارية، فعدد المراكز الجزائرية المتقدمة على طول 184 كلم تبلغ 12 فقط... في حين تبلغ في الجانب التونسي 24، أي الضعف! كما تطرح طريقة توزيع المراكز نقطة ضعف واضحة؛ ذلك أن المراكز المتقدمة في الجانب الجزائري تقع خلف السكان الجزائريين المقيمين في الشريط الحدود في وقت كان المفروض أن تكون المواقع المتقدمة أمام السكان لا خلفهم، هذه الملاحظة "الغريبة" لا أثر لها لدى الجانب التونسي الذي تقع كل مراكزه المتقدمة أمام السكان لا خلفهم وقد خلفت الوضعية الجزائرية الشاذة التي خلفت نقطة فراغ في المنطقة التي لايجب أن يكون بها فراع عدة تعليقات، وفهمت أن هذه الوضع الشاذ تحكمت فيه معطيات أمنية خلال مرحلة الإرهاب، حيث وزعت هذه المراكز بحسب الحاجة الأمنية الملحة آنذاك وما تتطلبه خطة مكافحة الإرهاب، ولتدارك هذا النقص والثغرات ثمة خطة انتشار جديدة بدأت منذ عدة سنوات وستكون جاهزة سنة 2009 من خلال الانتهاء من إنجاز مراكز متقدمة إجبارية عند نهاية آخر خط من الشريط الحدودي ليكون السكان وراء الظهر وليس أمام العين، كما سيتم رفع عدد المراكز إلى اضعاف للتحكم في "النقاط الرمادية" أي الأماكن غير المؤمنة بشكل جيد عند الشريط الحدودي. وفي انتظار ذلك، يؤكد قائد المجموعة رقم 18 لحرس الحدود أن نسبة النجاح وتغطية مهام الحراسة الحدودية تفوق 70٪، في انتظار أن تساهم إصلاحات إدارية تخص معالجة ملف البطاقية الوطنية للفلاحين والموالين للحد من تهريب رؤوس الماشية والمازوت والبنزين؛ ذلك أن مصالح حرس الحدود من الأفضل تنظيم الفوضى بدل تسيير تبعات الفوضى الإدارية المنظمة"... فيما يأمل سكان هذه المناطق الاستفادة من برنامج وطني خاص لتنمية هذه المناطق الاستراتيجية‮ الحساسة،‮ ثمة‮ نظرية‮ استراتيجية‮ تقول‮ إن‮ قوة‮ المناطق‮ الاستراتيجية‮ توفر‮ قوة‮ واحدة‮ للدولة،‮ أما‮ ضعف‮ المنطقة‮ الاستراتيجية‮ يوفر‮ ضُعفين‮ وخطرين‮ اثنين‮ لا‮ خطرا‮ واحد‮ على الدولة‮!‬
طاهر‮ حليسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.