ظاهرة الغش، التي أرقت وزارة التربية الوطنية ومن ورائها الحكومة كلها فأقرت إجراءات استثنائية عطلت من إنترنت الجيل الثالث بسبب التأثير الكارثي لهذه التقنية على سير الامتحانات الرسمية، تحولت مع الوقت إلى كارثة وطنية ضربت مصداقية الامتحانات التي كانت ولا تزال "مقدسة" في نظر العائلات الجزائرية، خاصة امتحانات البكالوريا. لكن، هل يمكننا التسليم بأن ظاهرة الغش حكر على أبنائنا التلاميذ في المدارس والثانويات؟ وهل المجتمع بكل مؤسساته ومكوناته نظيف ونزيه إلى درجة أصبح الجميع ينظر بعين الاستغراب إلى ما يرتكبه بعض أبنائنا من محاولات الغش؟ وهل فعل الغش في حد ذاته مجرم من طرف الكبار، سواء كانوا أولياء أم مربين أم مسؤولين أم تجارا أم مهنيين، أم إن الجميع متورط في الغش بشكل أو بآخر؟ في الواقع، إن المجتمع مريض، وما يحدث في المدارس والثانويات ما هو إلا أحد تجليات هذا المرض. وربما هو أخف تجليات المرض، لأن الغش الممارس في باقي المؤسسات الوطنية أكبر وأخطر.. وتكفي جولة واحدة على الجامعات لندرس خطورة ما يحدث بعيدا عن أعين الصحافة ورقابة المسؤولين.. دروس كاملة مدونة على جدران المدرجات والأقسام، دون أن نجد من يصيح ويحذر من الظّاهرة، بينما يتم التركيز على الامتحانات الرّسمية في قطاع التربية التي تعد أكثر مصداقية وتنظيما عكس ما يحدث في الجامعات. وحتى البحث العلمي، الذي كان يحتفظ ببريقه خلال تطبيق ما يصطلح عليه بالنظام الكلاسيكي، تم تمييعه بنظام الآلمدي الذي هوى بالمستوى العام للطلبة وعصف بالبحث العلمي وحول الدكتوراه إلى شهادة يمكن إدراكها بمجرد المواظبة على الحضور في القسم مع حسن السّيرة والسّلوك!! هذا دون الحديث عن الغش المستشري في القطاعات الأخرى أين تطغى المحسوبية في مسابقات التوظيف وفي الحصول على الترقية والامتيازات وفي الحصول على المشاريع وغيرها من مظاهر الغش المعروفة، التي يقبل بها المجتمع ويشجعها ولا يدين المتورطين فيها، بل يعتبرهم نافذين وأصحاب "دخلات" ومعارف!! لا يمكن القضاء على الغش في المدارس ما دام ثقافة مجتمعية، ولا يمكن للتلميذ أن يكون نزيها إذا كان والده أو جاره أو أستاذه أو معلمه صاحب خبرة في الغش والتدليس.. وعليه، فإن قطع الإنترنت خلال فترة الامتحان لا يمكنه القضاء على الظاهرة ما دامت بكل هذا الانتشار في المجتمع.