قرّرت ابتداءً من العشر الأواخر من شهر رمضان أن أشرع في حمية إيمانية، لعلها تنقيني من دنس سنوات عجاف.. الأمر ليس سهلا كما كنت أتصور، لأنه كان عليّ أن أتعود على عادات لم أتعوّد عليها وأن أترك عادات لم أتعوّد أن أعيش من دونها، مسألة تطبُّع وطبائع.."طبايع خاسرة": النوم مثلا، ليس من السهل أن أقوم الفجر من دون أن أعود إلى النوم إلى غاية العصر تقريبا، إنما "خير من والو"، "الوالفة خير من التافلة"! هكذا قال لي الإمام "عراكها ولا تراكها"!. صرت أصلي الفجر والمغرب والتراويح في المسجد، فقط الظهر والعصر، أجمعهما "جمع تكسير" طبقا للقاعدة النحوية: إذا التقى ساكنان، فاحذف ما سبق! أنا لا أحذف ولكن أصلي الظهر والعصر معا في شكل جميع تقصير! صليت هكذا ليومين قبل أن أسمع الإمام يحدث بأن هذا الأمر لا يكون إلا في حالات كالسفر مثلا، أما أنا فلست مسافرا، اللهم إلا إذا كنت أعتبر أن السكن الذي أقيم فيه، آيلٌ إلى زوال ومسجّل أنا في قائمة المرحلين بعد رمضان! والمكان الذي سنرحل إليه، بعيد عن بيتي بما يعادل 80 كلم، فإنا تقريبا في تعداد المسافرين، لكن هذه الفتوى لم تنفع بحسب بعض من سألت. فعدت إلى الظهر أصليه أربعا والعصر أربعا أيضا. المصيبة أن موجات النسيان التي تنساني لأيام سرعان ما تعود لتزورني من دون استئذان، وأين؟ في الصلاة! فأجد نفسي أصلي لمدة ساعة تقريبا أربع ركعات! أكون قد صليت فيها 40 ركعة.. وأنا يبدو كأني الآن فقط قمت من السجدة الأولى! فأكرر الركعات تلو الركعات حتى أجد قدمي قد طابت، فأقول: لعل هذه الركعة الأخيرة! فأسلم، أو يؤذن العصر إذا كنت بصدد صلاة الظهر المتأخرة، فأفهم أني كنت أصلي "منذ أمس"! فأسلم وأقطع مسلسل الركعات، هذا لا يحدث دائما، إنما يزعجني، لكن الحمد لله، الزيادة ولا النقصان! ثم أن رصيدي في الصلاة ناقص وهزيل، وعليّ أن أعبئه، ولو بالتكرار، التكرار ولا الفرار! لا أريد أن أروي لكم ماذا أقرأ في بعض الأحيان؟ استغفر الله، أخلط أحيانا القرآن مع الدعاء مع قصيدة شعرية وكأني لا زلت أدرِّس تلامذتي الأغبياء! أخلط شعبان في رمضان فعلا، وأرجو من الله أن يتوب عليّ ويغفر لي ويصلح حالي وأحوالي ويكفيني شر الوساوس وقهر شيطان النسيان! اضطر أحيانا لقراءة "الضحى"، فقد قيل لي إنها تذكًر الإنسان إذا ما نسي، فأجد نفسي أخرج من "الضحى" إلى "الشمس وضحاها" أو أدخل آية في آية وسورة في وسورة: مرة صليت بزوجتي وبناتي في البيت جماعة صلاة المغرب، فقرأت مقتطفات من ثلاث سور في سورة واحدة: لقمان، يوسف وسورة الطارق!. نبّهتني ابنتي البكر التي تقرأ القرآن "خير مني" قال لي: بابا.. تعرف واش قريت اليوم بنا؟ قلت لها: أنعم إيه.. قريت آيات من سورة لقمان: "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه".. قالت لي: زد...! ورحت اقرأ ما تبقى من الآيات بالتسلسل! قالت لي: أيواه.. تعرف ماذا قرأت في الصلاة؟ وقرأتْ لي ثلاث آيات من سور لقمان ويوسف والطارق... فتحت فمي ولم أعرف ماذا أقول سوى: الله غالب نسيت.. من غدوة كل واحد يصلي وحده! أنا نصلي في الجامع.. وأنت ديري إمام النسا إذا بغيتي راكي خير مني، الله يسهل.. منذ ذاك الحين صرت أواظب على صلوات الجماعة في المسجد، لأنها تساعدني على التركيز وعدم التيه والنسيان!