في الوقت الذي يستمتع فيه أطفال العائلات الميسورة الحال بعطلتهم الصيفية بين شواطئ البحر وفضاءات اللعب والنوم والراحة، وجدت شريحة من الأطفال في سن البراءة نفسها في عالم الشغل، حيث أجبرتهم قساوة الظروف الاجتماعية على انتهاج سبل شاقة وغير آمنة لكسب لقمة العيش. يقوم كثير من الأطفال ببيع بعض المنتجات الفلاحية الموسمية التي تتميز بها ولاية بجاية خلال هذه الصائفة على غرار فاكهة التين الشوكي التي تشتهر بها المنطقة، على قارعة الطرقات بالرغم من المخاطر التي تهدد حياة أولئك الأطفال الذين يعرضون حياتهم للخطر، بعرض سلعهم على قارعة الطريق فهم معرضون لمخاطر حوادث المرور، جراء خطر المركبات التي تعبر الطريق، وقد تأخذ أرواحهم في لحظة طيش أو استهتار أثناء القيادة، وهم يغامرون بعرض سلعهم على طول الطرقات، بالإضافة إلى مخاطر العنف والاعتداءات من قبل المنحرفين. وخلال جولتنا التقينا بالطفل "أنيس" صاحب ال 13 ربيعا، نخرت الأشواك يديه وهو يعمل بالطريق الوطني رقم 26 الرابط بين بجاية والعاصمة ،حيث يقوم ببيع فاكهة التين الشوكي مقابل الحصول على مبلغ مالي رمزي، إذ أكد لنا بأنه يدرس في السنة الثالثة متوسط، ولكنه يضطر للعمل بعد خروجه من المدرسة وأثناء عطلة الأسبوع وخلال عطلتي الشتاء والربيع، كما أن عطلة الصيف تعد فرصة للحصول على لقمة العيش ومصاريف دراسته، حيث أن عائلته محتاجة، وكما أن الظروف الاجتماعية القاهرة قد أجبرته على ممارسة هذا النشاط لأنه يساعد أسرته في توفير المصروف اليومي، خاصة أن مصاريف الدراسة أصبحت باهظة إلى جانب لوازم الحياة واللباس، حيث أكد أنه يقوم كذلك خلال باقي المواسم الفلاحية الأخرى ببيع الحشائش وغيرها من المحاصيل الزراعية التي يقطفها من بستان منزلهم على قارعة الطريق، قبل أن يضيف أنه يستيقظ على الساعة الخامسة صباحا لقطف فاكهة التين الشوكي بوسائل تقليدية، من المناطق الجبلية البعيدة رغم المخاطر، كما يضطر لحمل هذه الفاكهة التي يضعها داخل دلو كبير، رغم ثقله، إلى غاية الطريق الوطني، قاطعا مسافة جد طويلة وسط منحدرات جد خطيرة، أين يقوم بعرضها على أصحاب المركبات من مستعملي الطريق تحت أشعة الشمس الحارقة.
يد أنيس تتحول إلى مزرعة للأشواك يضيف أنيس، الذي رفض التقاط صورة له، أنه يعود إلى المنزل بعد بيعه جل سلعته وإن قام ببيعها مبكرا فإنه يعود إلى "الأدغال" لإحضار سلعة جديدة، وهكذا إلى أن يدخل المنزل على الساعة السابعة مساء، والإرهاق قد نال منه دون الحديث عن أشواك التين التي جعلته يحك بصفة مستمرة يديه، وحتى باقي أطراف جسمه، قبل أن يخلد للنوم باكرا في انتظار يوم جديد، وعندما سألناه عما إذا كان يقصد شاطئ البحر خلال هذه الصائفة للسباحة، فقد صرح ببراءته أنه لا يتقن السباحة، وأن مثل هذه الأمور ليست في مفكرة عائلته، كون هموم الحياة وضمان لقمة العيش تبقى من أولوياته.