أضحكني خبر مطاردة مجموعة من الشبان لمتسوّلة في شوارع وهران، قيل أنها تملك سيارة فارهة، أي أن هذه "الطلاّبة" مزيفة، ومخادعة، جنت الملايين بالنصب والاحتيال على المحسنين وذوي البرّ والإحسان والقلوب الرحيمة، والحال أن هذه المحتالة أمثالها كثّر، في مجال التسوّل وغيره، ولذلك قلّت الصدقات وتكاد تنقرض، نتيجة تراجع الثقة، وتكاثر المحتالين ممّن "والفو" الربح السريع وجمع المال دون كدّ ولا تعب! هي حالة لعشرات وربما مئات أو آلاف الحالات، لرجال ونسوة، تعلموا النهب والنصب، بطرق ملتوية ومختلفة، تختلف الوسيلة، لكن الغاية واحدة، جمع المال وتجميعه بعيدا عن القانون والأخلاق، وربما من حسن حظ هؤلاء "الباندية" أن قلب الجزائريين "حنين"، يستسلم بسرعة عندما يرى مشهدا مؤلما، أو يسمع كلمات حزينة تكسر الحجر قبل القلوب! هذه المتسولة التي جمعت مالا وعددته، ثم اقتنت به سيارة فاخرة، وربما فيلا بمسبح، لا تختلف كثيرا عن المتسولين الذين يتسوّلون صدقات انتخابية من "بقايا" ناخبين في القرى والمداشر كلما عادت التشريعيات والمحليات، يضعونها في جيوبهم، ثم يفرون ويغيّرون عناوينهم وأرقام هواتفهم! هل هناك فرق بين هذه المتسولة المحتالة، وبزناسي يتسوّل المشاريع من الوزارات والولايات والبلديات، ويُريد أن يظفر بها وفق صفقات مشبوهة تحت الطاولة، ثم يستخدم "التشيبا" أو العمولة، لتسهل عليه المهمة، وإذا نجح، هرب واختفى، أو تحوّل بقدرة قادر إلى "بارون"؟ لا فرق بين المتسوّلة المُطاردة، وهؤلاء المطاردين في الفلاحة والاستثمار والتجارة والإدارات ومختلف المهن والحرف والوظائف، ممّن يحتالون وينصبون ويسرقون الوقت، ويتماطلون في إنجاز المهام الموكلة لهم، ويعطلون مسار التنمية في البلديات ويغشون في المتابعة والمراقبة! ألم تعرف عمليات توزيع السكن في الجزائر العميقة، الكثير من الاحتيال، من طرف أميار ولجان دراسة الملفات؟ ألم تتعرّض قفة رمضان ومنح المعوقين والبطالين إلى الاحتيال؟ ألم تتعرّض الكثير من البرامج التنموية إلى التحايل؟ ألم يحتل البعض في الشهادات الدراسية والسيّر الذاتية وفي مسابقات التوظيف ومنح الصفقات وحتى مشاريع "أونساج"؟ عندما يتحوّل الاحتيال إلى "ظاهرة" فيجب أن نتحرك جميعا، والإدانة هنا لا تكفي، مثلما لا يكفي العقاب حتى وإن كان بالسجن المؤبد أو الإعدام.. علينا أن نعدم الأفكار الدخيلة حتى يتوقف أو يخفّ الاحتيال بكلّ ما هو مزيّف، هذا الاختراع الذي تحوّل إلى مهنة ومحنة!