يقال "إن الألفاظ أجساد والدلالات هي الأرواح".. وبما أن الأسماء ألفاظ لديها دلالات فهي تحي فيك رمزية أو قيمة ما، فتمنحك وعيا ثقافيا مميزا، أو تطبع فيك موقفا أو رأيا معينا.. إعجابا أو كرها.. تأثيرا ايجابيا أو سلبيا. وارتباط هذه الأسماء بشخصيات تاريخية أو دينية، فكرية أو ثقافية، اجتماعية، فبإمكانها أن تخلق داخلك شيئا صادقا ووجدانا حقيقيا. ولعل أسماء شهداء الجزائر ومفكريها هم الأقرب لأن تتأثر بهم وبخصالهم وتضحياتهم، ولأن المدرسة إحدى الركائز الأساسية لبناء عقل الفرد وشخصيته، فإنها الأنسب لأن تعلق فيها أسماء هؤلاء. غياب دلالات الأسماء في الكثير من المدارس والمتوسطات والثانويات الجزائرية، جعل منها أماكن لا يحس التلاميذ بها كقيمة إنسانية أو تاريخية أو فنية. وباتت حسب بعض الأساتذة والتلاميذ، أشبه بثكنات عسكرية أو محتشدات أو كأنها جسد بلا روح. فمن مدرسة الشاليات ومدرسة 2000 سكن ومدرسة حي الجرف ومدرسة الحي الجديد إلى مدارس بلا أسماء، والقائمة طويلة في وقت تزخر الجزائر بأسماء علماء ومفكرين ومليون ونصف مليون شهيد. أكد الأمين الوطني للنقابة المستقلة لأساتذة التعليم الابتدائي، محمد حميدات، للشروق، أن مئات المدارس الجزائرية عبر الوطن، تحمل أسماء لا تمت لقطاع التربية بصلة، حيث أعطى مثال مدرسة بولاية الجلفة، وأطلق عليها اسم "القاعدة سبعة"، وأخرى القاعدة رقم كذا. وقال حميدات، إن ذلك يشعرك أنك في ثكنة، حيث أن بعض المدارس، حسبه، تحمل أسماء بعدد السكنات على غرار مدرسة 2000 سكن، وهذا خطأ ترتكبه الجهات المعنية في حق الذاكرة التاريخية والوطنية الجزائرية، حيث تم تجاهل أسماء الشهداء وعلماء الجزائر في تسمية المؤسسات التربوية. واستغرب المتحدث من عدم إعطاء أهمية لتسمية المدارس التي من المفروض، حسبه، أنها مكان لترسيخ ثقافة اللانسيان، وتمجيد رموز الثورة الجزائرية، حيث قال "إن التلاميذ في حاجة لتسمية مدارسهم شخصيات فكرية وثورية حتى يستلهموا منها حب الوطن". من جهته، أوضح، صادق الدزيري، رئيس الاتحادية الوطنية لعمال التربية والتكوين، أن غياب دلالات الأسماء في المؤسسات التربوية، وارتباطها بأرقام وعدد سكنات الحي الذي تقع فيه، أنقص من رمزيتها الإنسانية والتاريخية، في حين أن حسبه، هذه التسميات كان من المفروض أن تفكر فيها وزارة التربية ووزارتي الداخلية والمجاهدين، قصد توعية التلاميذ بتضحيات وعطاء أشخاص تحمل المدارس أسماءهم. وقال إن في الآونة الأخيرة عرفت المدن والأحياء الجديدة في الجزائر، مدارس وثانويات ليس لديه اسم حيث اكتفت السلطات المحلية بتسميتها "جديدة" أو لديها أسماء مرتبطة بصفة أو عدد سكنات المنطقة، مثل مدرسة الشاليهات ببودواو، ومدرسة معركة الجرف بباب الزوار. وترى الدكتورة مليكة قريفو، الأخصائية في علم النفس المدرسي واللغوي، أن المدارس الابتدائية لديها بعد ثقافي جمالي، حيث من المفترض أن تحمل أسماء شعراء مثلما هو الحال في الكثير من الدول المتقدمة مثل ألمانيا وفرنسا، وقالت إن في الجزائر منذ 50 سنة بدأت تسميات المؤسسات التربوية لا تقدم رأس مال ثقافي للطفل وهي مجرد تسميات أشبه بتسميات محلات "فاسد فود". وأشارت إلى أن المدرسة مشروع حضاري ثقافي ودلالة اسمها ينبغي أن لا يكون مجرد لمسة إدارية تجعل منها ثكنة عسكرية. وفي السياق، أكد رئيس جمعية أولياء التلاميذ، أحمد خالد، أن إشكالية تسميات المؤسسات التربوية بأسماء شخصيات تستحق ذلك كالشهداء، طرحت على الوزيرة نورية بن غبريط منذ توليها المهام، مضيفا أن جمعيته تسعى لإثارة هذا الموضوع مرة أخرى سيما، حسبه، بعد انتشار مؤسسات تربوية لا تحمل أسماء مثل متوسطة القليعة الجديدة وغيرها، حيث يتم إشراك وزارتي المجاهدين والداخلية في النقاش حول قضية تسمية المؤسسات التربوية.