تحول الاقتصاد الرقمي كملاذ للعديد من الشباب وخريجي الجامعات البطالين بعد توفيره لآلاف مناصب العمل، حيث أصبحت الوكالات الإشهارية ووكالات الاتصال هي قبلتهم الأولى خلال سنوات التعلم وقبيل إنهاء دراستهم، فهي البوابة الواسعة والمشرعة للولوج إلى عالم الشغل حتى أن البعض منهم تخلوا عن تخصصهم الدراسي لقاءها، ومن مزاياها لا تتطلب إمكانيات ووسائل ضخمة، وعائداتها مضمونة، كما تفتح آفاقا جديدة لممتهنيها نظرا للتطورات المسجلة في هذا المجال وضمان العائدات المالية. وفرت الرقمية بمختلف مجالاتها مناصب وظيفية حديثة لم تكن معروفة من قبل وفتحت باب التنافس على مصراعيه لتقديم أفضل وأجود الخدمات بغية استقطاب شريحة واسعة من المتعاملين، وتشكل الوكالات الإشهارية ووكالات الاتصال اللبنة الأولى للاقتصاد الرقمي، فما قدمته من خدمات مختلفة على غرار إنشاء مواقع وتطبيقات تجارية، وكذا الإشهار الرقمي ساهم بشكل واضح في تحويل الأنظار إليها.
الرقمية سهلت علينا التعامل مع زبائن من داخل وخارج الوطن دون الالتقاء بهم يحكي لنا صاحب وكالة إشهارية بالبليدة وهو مهندس دولة، وقد خضع لتربصات في مجال الاتصال خلال دراسته الجامعية، ضف إلى ذلك تكوينات في مجالي السمعي البصري و"الأنفوغرافي"، عن تجربته في هذا المجال، فوكالته تعد من أشهر وأوائل الوكالات، فقد كان هذا المجال غير معروف في الجزائر، وحتى الموجودة منها لم تستطع تقديم الكثير، فالمحتوى كان بسيطا وبحكم تلقيه تكوينا في مجال الهندسة كان يملك نظرة وأفكارا مختلفة عمد على تطويرها، لكنه اصطدم على حد قوله بالعديد من الصعوبات والمشاكل الإدارية، فالجميع يعمل بطريقة غير منتظمة، بدون وثائق أو فواتير وهو ما جعله يلتزم بأسلوب مختلف حتى يتمكن من فرض مكانته. ويضيف محدثنا حاليا أعمل على مشروع في التجارة الإلكترونية زيادة على تطوير الخدمات الإشهارية، واعتبر المتحدث خبرته في العمل كمهندس مكنته من كسب خبرة في التعامل مع الزبائن. وعن مصادر دخلهم، أوضح محدثنا بأنها تكون غالبا من الإشهارات الرقمية، إنجاز اللوحات وغيرها، فهم يتلقون طلبات رقمية عبر موقعهم وبريدهم الإلكتروني، ثم يحاولون تلبية رغبة الزبون سواء كانت متعلقة بتطبيق هاتفي يسهل عليهم العمل أو أي إشهار، مضيفا هناك طلبات كثيرة لإشهارات على موقع "الفايسبوك" و"اليوتيوب"، وعندما تصل المشاهدات إلى 500 ألف أو مليون شخص تكون العائدات كبيرة جدا، ويرى صاحب الوكالة معاناة مجتمعنا من صدمة الانتقال المباشر لعالم الرقمية دون الاهتمام بالمراحل الأخرى، مما شكل صعوبة في إيصال الثقافة الرقمية بالرغم من فوائدها العديدة في توفير مناصب شغل والقضاء على البطالة بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
نضطر للتنقل إلى العاصمة لتحويل العملة للشركات العالمية والأجنبية يرى صادق ياسين، صاحب وكالة اتصال وإشهار بولاية معسكر، حائز على ليسانس في العلوم التجارية والاقتصادية، بأن عمله في مجال تصميم مواقع الانترنيت خلال دراسته الجامعية في عام 2007 ساعده على تخطي المشاكل والعقبات التي واجهها، فالسوق المحلية سابقا كانت حرة، وفي عام 2014 أسس وكالته الخاصة وساهم في تأسيس مواقع جزائرية هي تحتل الصدارة حاليا منها: موقع مختص في تعليم "الأنفوغرافي" بالإضافة للخدمات الإشهارية، المونتاج، الصور... فالتطور الرقمي سهل على صادق التعامل مع زبائن لا يعرفهم ولا يراهم من داخل وخارج أرجاء الوطن، وعائداتهم تكون على حسب الضغط "الكليك"، وهناك من يفضل إشهارا في "غوغل"، "يوتيوب" وغيرها فيتوسطون لهم عند هذه الشركات العالمية والربح يكون حسب عدد المطلعين عليها. وذكر صادق معاناتهم في الأعوام الماضية في ظل غياب بطاقات بنكية فكانوا يجدون صعوبات في التسديد، فأحيانا يتنقلون إلى ولاية وهران أو العاصمة لاستبدال العملة وتحويلها للشركة العالمية، فإشكالية الدفع الإلكتروني حتى وبعد دخوله حيز الخدمة وعدم توافر بطاقة تحول العملة المحلية لأجنبية زاد من تعقد مهمتهم. واعتبر صاحب الوكالة مناصب الشغل التي وفرتها الوكالة مهمة جدا وهي لا تتطلب إمكانيات ضخمة، بل أجهزة قادرة على التحمل فقط، واستطرد المتحدث حاليا نعكف على تطوير أرضية رقمية فيها إشهارات عديدة تابعة لشركات مختلفة، وأي مواطن بإمكانه الدخول واختيار الإشهار الذي يرغب به، ثم ينقله على صفحته الخاصة في "اليوتيوب" أو "الفايسبوك" أو أي موقع آخر لديه فيه معجبين وزوار كثيرين، ومن خلال المشاهدات يحقق ناشر الإعلان أرباحا مادية.
عالم الرقمية أنقذ خريجي الجامعات من البطالة والهجرة إلى الخارج كشف هني كمال، صاحب وكالة اتصال بولاية سطيف، درس الطب زيادة على الإعلام الآلي، وقد اختار المجال الثاني للعمل فيه بأن التطور الحاصل في عالم الانترنيت واحتكاكه بزبائن من مختلف أنحاء العالم شجعه على اختياره والإبداع فيه، فوكالته تقدم خدمة تطوير البرامج والمواقع الإلكترونية، ولأن وكالتهم تمزج بين الطب والرقمية، فقد تمكنوا من إعداد برمجيات متعلقة بالمستشفيات وطرق تسييرها، حيث سيكون لدى المريض مذكرة إلكترونية يدون فيها الطبيب كل المعلومات المتعلقة بحالته من تحاليل، وتشخيص وتقارير أشعة، فحتى لو تغير الطبيب، من خلال هذا البرنامج سيجد كل المعلومات المتعلقة بالحالة وحتى التحاليل بعد قيام المريض بإجرائها يتم إدراجها مباشرة في مذكرته، وهو ما يساهم في تقديم إحصائيات دقيقة حول عدد المصابين بالأمراض المزمنة مثل السكري، السرطان، ضغط الدم. وأوضح المتحدث بأن زبائنهم من مختلف الشركات العمومية والخاصة ولديهم شطر خاص بالمواقع الداخلية، فزيادة على إنشائهم لموقع خاص بالأطباء والمختصين ومن خلال ولوج المواطنين على هذه المواقع يحققون المداخيل. وصرح هني بأن بداية الانترنيت في الجزائر والتي كانت في سنتي 2003 و2004 قد ساهمت في توفير مناصب شغل للعديد من خريجي الجامعات المتخصصين بعدما كانت الهجرة للخارج هي الحل الوحيد أمامهم، حاليا أضحى بإمكانهم العمل في مشاريعهم الخاصة، ولأن الأفكار نهر لا ينضب بالنسبة إليه، فهو يعمل حاليا على إعداد موقع بيع الكتروني للمواد شبه الصيدلانية، فهم يحرصون على مزج الرقمية بالطب دوما.
الخبير الاقتصادي بريش: الاقتصاد الرقمي قلّل الأفراد وخلق الثروة من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي وأستاذ المدرسة العليا للتجارة بريش عبد القادر، الاقتصاد الرقمي مرتبط ارتباطا وثيقا بخدمات الانترنيت وبالأرضية الرقمية للشبكات وانخراط البنوك من خلال خدمة الدفع الإلكتروني، فبالرغم من كون وكالات الاتصال والإشهار تساهم فيه من خلال توفير مناصب عمل للجامعيين والمختصين في التكنولوجيا من خلال إنشاء مشاريعهم الخاصة بإمكانيات مادية وبشرية أقل، فهو يقلل الأفراد، لكنه يخلق الثروة من خلال مختلف خدماته وعلى رأسها الإشهار الرقمي بتكلفته الأقل من المعتادة وصداها الواسع مقارنة بالعادي، لكن بالرغم من كل هذا وبعيدا عن النظرة التفاؤلية للواقع وقبول الجزائريين للرقمية وسهولة تعاملهم معها، لكن يظل هناك تأخيرا في البنى التحتية، فالإدارة الإلكترونية مازالت متأخرة وتخطو خطوات حثيثة، زيادة على ثقل تدفق الانترنيت، فجميع هذه العوامل تحول دون تحقيق متطلبات هذا الاقتصاد وهو ما جعله منحسرا في بعض المبادلات التجارية البسيطة.