في زمن التّدافع الذي يشهده العالم في هذه العقود المتأخّرة بين الحقّ والباطل، الذي بلغ أوجه- أو يكاد- مع المحن التي تزداد حدّتها عاما بعد عام على أمّة الإسلام، ربّما لا نكون مخطئين لو قلنا إنّ أعظم بلية بلي بها هذا الدّين هي الوضع الذي ارتضيناه لأنفسنا في خضمّ هذا الصّراع! كيف لا ونحن- إلا من رحم الله منّا- لا نغار لديننا، ولا نحرّك ساكنا لأجل الدّفاع عن أصوله وثوابته التي أصبحت هدفا للمغرضين، ولا نقدّم شيئا للدّفاع عن مقدّسات الأمّة التي غدت هدفا سهل المنال للمتربّصين؟.. كيف لا ومئات الملايين من المسلمين في بلاد الله الواسعة التي تعيش الأمن والأمان، منشغلون بأنفسهم، وبمطاعمهم وملابسهم ومراكبهم ووظائفهم، بينما تزحف جيوش الظّلام على بلاد الإسلام في الشّام والعراق وتستبيح الدّماء والأعراض. قد والله آن الأوان لتتغيّر هذه الحال.. آن الأوان لننفض الغبار عن قلوبنا وأرواحنا وهممنا.. وصار لزاما على كلّ واحد منّا أن يراجع حاله ويسأل نفسه: هل حقا أحبّ الإسلام؟ إذا كنت أحبّه فأين دليل هذا الحبّ؟ ماذا فعلت لأثبت أنّي حقا أحبّ ديني وأغار لأمّتي؟ ما الذي قدّمته لهذا الدّين؟ بأيّ شيء ضحّيت لنصرته؟.. في بيتي تلفاز وخزانة وثلاجة وأريكة، فهل يوجد في بيتي الإسلام؟ هل يتلى في بيتي القرآن؟ هل يذكر في بيتي الرّحمن؟ هل توجد في بيتي سنّة المصطفى العدنان؟ هل يوجد في بيتي قيام الليل وصلاة الضّحى وصيام الاثنين والخميس؟ يروي أحد الفضلاء قصّة هدايته يقول: كانت البداية مع ابني شهاب عندما جاءني في ذلك اليوم بغير الوجه الذي عهدته به وهو يسألني سؤال المؤنّب الغاضب: أبي لماذا ليس في بيتنا سنة الرسول وقيام الليل؟ تعجبت للسؤال وعرفت فيما بعد أنّه كان في محاورة مع زميل له في المدرسة، وكان شهاب يتباهى بالإمكانات العصرية الموجودة في البيت؛ فأنا ولله الحمد رجل ثريّ ولا أبخل على أسرتي بأيّ شيء؛ لذا كان شهاب متباهيا بما لديه في المنزل من إمكانات ووسائل راحة ربما لا تتوفر للكثير.. ولكنّ ردّ زميله كان مفاجئا بالنّسبة إليه؛ فقد تباهى أمام شهاب بأنّ لديهم في المنزل سنة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيام الليل وصيام الاثنين والخميس.. لم يستطع شهاب الردّ وعاد إلى البيت غاضبا وهو يسألني كيف لا يكون لدينا مثل الذي لدى زميله في المدرسة؟.. أنا مسلم منذ أن ولدت أصلّي وأصوم وأحجّ، ولم يمنعني ثرائي ولا ما أمتلكه من أراض وعقارات مباشرة تلك العبادات، ولم يفتني أيّ مرة الاعتكاف في شهر رمضان ولا صيام الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وليلةُ عيد الأضحى مشهورة أمام العمارة التي أسكن فيها التي أمتلكها ضمن مجموعة كبيرة من العقارات؛ حيث يتم توزيع اللحوم على الفقراء بكميات كبيرة.. ورغم ذلك فإني شعرت بالغربة أمام سؤال شهاب وهو يسألني عن سنة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعن قيام الليل، ولكنه لم يكتف بذلك بل سألني عن جارنا كمال الذي لا يصلي وكيف لم أحاول ولو لمرة أن أجعله يصلي أو أن أقنعه بأن يأتي معي للصلاة وهو جاري منذ أكثر من 20 عاما، فهل أنا المسؤول عن ذلك؟ وقادتني محاورة شهاب إلى سؤال لم أجد له إجابة: إذا كنت مسلما منذ أن وُلدت، فماذا قدّمت للإسلام منذ 40 عاما؟ فأنا لم أبالِ إذا كان جاري يصلي أم لا.. واستمرت تأملاتي وأنا أقود السيارة إلى حيث لا أدري، ولا أدري إذا كنت أقود السيّارة بالفعل أم إن السيّارة هي التي تقودني إلى حيث لا أدري؟ وبينما أنا كذلك، انتبهت إلى أذان المغرب، فاتجهت إلى أقرب مسجد للصلاة، وكانت مفاجأتي وجود درس بعد الصلاة، وكانت بداية الدّرس بهذا السؤال: هل تحب الإسلام؟ وإذا كنتَ تحبّ الإسلام فماذا قدمت له؟ أحسستُ كأن الحديث موجه إلي.. امتد الدرس إلى صلاة العشاء، وبعدها خرجت عائدا إلى السيارة، وهناك رنّ صوت المحمول في جيبي وقد كانت نغمته أغنية من الأغنيات المشهورة لأحد المغنّين، ورغم أنني أمتلك المحمول منذ أن بدأ ظهوره، ورغم أنني أستمع إلى هذه النغمة عشرات المرات يوميا، فإنني أحسست بالغضب هذه المرة، وتساءلت: لماذا لا تكون النغمة نغمة هادفة تدلّ على أنّي مسلم أحبّ الإسلام؟.. غيّرت نغمة هاتفي ولله الحمد.. ثمّ بدأت أسأل نفسي: كيف يمكن أن أجعل أهل العمارة التي أسكنها يصلون جميعا.. العلاقات بيننا لحظية ولا سبيل إلى الحديث معهم؟! فكرت في إقامة دعوة بشقتي الواسعة.. أدعو إليها الجميع.. لم أرهق زوجتي بتجهيز الغداء لهذا الكم الكبير، فاتفقت مع أحد المحلات على القيام بهذا الدور.. وقمت بتشغيل شريط فيديو لأحد الدعاة المشهورين، وكان موضوع الشريط "كيف نحب الإسلام؟" وكان للشّاشة العملاقة التي أمتلكها دور كبير في عرض الشريط بشكل لائق.. خصّصت مكانا في الشقة للصلاة، وكان سرور جيراني في العمارة بهذه الدعوة الكريمة عظيما، وبعضهم طلب أن تكون هذه الدعوة شهريا، والبعض الآخر داعبني وهو يطلب أن تكون هذه الدعوة يوميا، ولأول مرة يصلي جميع سكان العمارة معا ولله الحمد.. كرّرت هذه الدعوة عدة مرات، وبالفعل وجدت العديد من سكان العمارة يصلون بعد ذلك بانتظام في المسجد، وزادني ذلك حماسة فبدأت أفكر كيف ينتشر هذا التأثير من أهل العمارة إلى أهل الحي والمنطقة كلّها.. سعدت زوجتي كثيرا بما فعلت، وكذلك أولادي، خاصة عندما غيرت نغمة المحمول إلى صوت الأذان، وكذلك ساعة الحائط، وقمت بتركيب دوائر إلكترونية في مصاعد العمارات التي أمتلكها، بحيث يذكر دعاء الركوب أثناء تحريكه، كان سروري عظيما عندما وجدت ابني شهاب يكتب مقالة في كراسه تحت عنوان "عندما أحبّ أبي الإسلام غيّر نغمة المحمول وغيّر المصعد" فتبسّمت، وكررتها في نفسي هامسا: نعم، عندما أحببت الإسلام غيّرت نغمة المحمول وغيّرت المصعد، ولكن لا يزال أمامي الكثير لأقدّمه إذا كنت حقا أحبّ الإسلام" ا.ه. هذا ما فعله هذا الرّجل عندما أحبّ الإسلام؛ فهل أحببت الإسلام أخي المؤمن؟ وماذا فعلت عندما أحببته؟ هل غيّرت نغمة هاتفك المحمول؟ هل غيّرت القنوات التي في بيتك إلى قنوات إسلاميّة وإعلامية نقية هادفة؟.. هل فكّرت في دعوة وهداية زملائك في العمل وجيرانك في الحيّ؟ نعم.. ليسأل كلّ واحد منّا نفسه: ماذا قدّم للإسلام عندما أحبّه؟ ماذا قدم لدينه؟ ماذا قدّم لأمته؟؟ { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ }.