لا تزال أيام الصّيف تتوالى، ولا تزال الأفراح والأعراس تصنع الحدث وتسترعي اهتمام الصّغير والكبير والذّكر والأنثى؛ أفراح وأعراس يفترض أن تكون مصطبغة بصبغة الإسلام، تُلتزم فيها حدود ربّ العالمين وآداب الدّين، لا يُسمع فيها إلا ما يرضاه الله، ولا يُرى فيها إلا ما أباحه جلّ في علاه، لأنّنا أمّة مسلمة مؤمنة، نؤمن بأنّ الفرح الحقيقيّ لا يكون بما حرّم الله، ولا بالتمرّد على حدود الله، ((قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون)). ولكنّ كثيرا من الأسر الجزائرية ما إن يبدأ الإعدادُ للعرس حتى ينسى أفرادها أنّهم مسلمون، وأنّ عليهم حفظة يكتبون، وأنّهم عمّا يفعلون بين يدي الله مسؤولون؛ ينسون كلّ هذا ويصبح همّهم الأوحد هو أن يحظى عرسهم بإعجاب المعجبين، ويكون منسجما مع العادات الجديدة المستوردة التي تتنكّر للأخلاق والدّين، حتى غدت أعراسنا– إلا ما رحم الله- فرصا للتخلّص من القيود، والتمرّد على الحدود، والمجاهرة ليس بالصّغائر فحسب، بل بالكبائر والعظائم والمهلكات. ولعلّ من أعظم الكبائر التي أصبحت ملازمة للأعراس، إضاعة الصّلاة، حتى لا تكاد تجد امرأة تصلّي صلاة لوقتها يوم العرس، بل ربّما تترك الصّلاة لأكثر من يوم، لأنّها لا تريد أن تتخلّى عن زينتها وعن أصباغها. ولم يعد هذا الأمر مقصورا على النّساء، بل تعدّاه إلى الرّجال الذين أصبح كثير منهم ينسون الصّلاة في أيام الأعراس، ويشعر الواحد منهم بالحرج في أن يستأذن للانصراف للصّلاة! الصّلاة التي لم يأذن الله بتأخيرها في أحلك الأوقات، وبيّن أحكامها في الحال التي يكون المسلمون في ساحات المعارك والمواجهات، وختم البيان بقوله جلّ في علاه: ((فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً))، فإذا كان لا يجوز للمسلم أن يؤخّر الصّلاة في ساحة المعركة، فهل يليق به أن يتركها بحجّة الانشغال بالعرس؟! ومن الموبقات التي صارت ملازمة لأعراسنا، هذه الحفلات الصّاخبة التي أضحت وكأنّها فرض عين على كلّ متزوّج، وكأنّه أصبح لزاما على كلّ من أنعم الله عليه بتيسير الزّواج أن يشكر الله في أوّل ليلة من حياته الزّوجيّة بالمجاهرة بمعصية المنعم سبحانه، ويجمع أهله وأقاربه وأحبابه وجيرانه، بل وأهل مدينة بأكملها على سماع كلمات تمجّد الخمور وتصف العيون والشّعور وترغّب في العلاقات المحرّمة والفجور، أغانٍ سجّلت في الملاهي والمراقص والحانات، يغنّيها مغنّون معروفون بالطّيش والانحراف والمغامرات، التي أزكمت الأنوف وملأت الصّفحات. ومن منكرات الأعراس أيضا، تخلّي كثير من النّساء عن أحجبتهنّ وركوبُهنّ في مواكب الأعراس وهنّ في كامل زينتهنّ، لتجوب بهنّ السيارات الشّوارع والطّرقات، وهنّ يصفّقن ويردّدن الأغنيات، على مرأى من ضعاف النّفوس الذين يخرجون من المقاهي والمحلات، لاستراق النّظرات إلى أولئك النّساء الغافلات، وسبحان الله! ربّما تجد المرأةَ المسلمة في الأصل محجّبة، ولكنّها تلقي حجابها إذا أرادت أن ترافق موكب العرس، وكأنّها قد أخذت عهدا من الملك المكلّف بالسيّئات ألا يكتب سيّئاتها وهي في الموكب، أو أنّها ضمنت ألا يأتيها ملك الموت وهي على تلك الحال، وكم سمعنا بأعراس تحوّلت إلى مآتم، واختلطت فيها أصبغة النّساء بدمائهنّ، على إثر حوادث قاتلة كانت نتيجة لتهوّر بعض الشّباب الذين يستعرضون مهاراتهم في قيادة السيارات أمام النّساء والفتيات، ويطلقون العنان للمسجّلات لتصدح بالأغاني والوصلات، فضلا عن انشغالهم بتصوير الموكب بالكاميرات والجوّالات. ومن المنكرات التي أصبحت ملازمة لكثير من الأعراس، اختلاط النّساء بالرّجال في بيت العريس وفي بيت العروس من غير زمام ولا خطام، فيدخل الرّجال على النّساء وهنّ في كامل زينتهنّ، بحجّة إخراج الطّعام إلى المدعوين، أو بغيرها من الحجج، وتقع أعينهم على ما لا يحلّ لهم النّظر إليه، وتتحرّك الألسن في المجامع بعد ذلك بوصف لباس ابنة فلان وتسريحة زوجة فلان وزينة أخت فلان، وهكذا. بل الطّامّة الأعظم من هذه أن يسمح بدخول رجل لتصوير النّساء، وكأنّ ذلك الرّجل محْرم لهنّ جميعا. يدخل ويصوّر النّساء، وينتقل الفلم من يد إلى يد، وربّما يشاهده كلّ من هبّ ودبّ، بل سمعنا بشباب يجتمعون على مشاهدة الأفلام التي صوّرت في الأعراس، ويتمادى بهم الأمر إلى المقارنة بين النّساء والتغزّل بزينتهنّ، بل وسمعنا بأفلام نشرت على الإنترنت، لتصبح تلك المقاطع صيدا ثمينا لأصحاب النّفوس المريضة والمتربّصة، ولتصبح تلك الصّور سيّئات جارية لأولئك النّسوة الغافلات اللاتي سمحن بتصويرهنّ في العرس.