تحظى قراءة الفاتحة، وهي العقد الشرعي في القران، بطقوس مميزة.. فهي ركيزة الزواج وبركته، لذا تقيم عائلة العروس وليمة غداء أو عشاء على شرف أصهارهم المستقبليين، وتتنافس كلتا العائلتين في إكرام الإمام بالهدايا والحلويات ومبالغ مالية معتبرة. فيما تبخل العائلات الثرية حتى بعبارات الشكر والثناء، ونظرا إلى اختلاف المواقف وتعدد الإكراميات في هذا اليوم السعيد، حاولنا التعرف على الأمر من خلال شهادات حيّة لبعض الأئمة. تثير طبيعة الإكراميات المقدمة للأئمة تساؤلات الكثير من المقبلين على الزفاف، فيتساءلون إذا كان من الضروري دعوة الشيخ إلى وجبة غداء أو شرب قهوة؟ وما هو المبلغ المقدم له؟ لكن الحقيقة الصادمة، تنافس البسطاء والفقراء في تكريم إمامهم بمبالغ ضخمة، بينما يحرمه الأثرياء ويتضايقون لوجوده. وهو ما أكده لنا إمام مسجد حيدرة، الشيخ جلول قسول. فالفاتحة في الزواج لها معان كبيرة، وهي العمود الفقري الذي يقوم عليه الزواج الشرعي، ولا يكتمل مشروع العمر إلا بحضور إمام لعقد القران، وتختلف الإكراميات المحضرة في هذا الحدث السعيد من عائلة إلى أخرى ومن حي إلى آخر. يقول الشيخ قسول: في بعض المناطق والأحياء الراقية كحيدرة، سيدي يحي بالعاصمة، لا توجد إكراميات أصلا للأئمة، عكس الأحياء الشعبية والبيوت القصديرية، حيث يحترم سكانها رجال الدين فيكرمونهم أشد إكرام. فعند الأثرياء والعائلات الغنية بعضهم يقدم للشيخ حلويات خفيفة جافة مع العصير أو الشاي فقط، أما المال فلا وجود له في قاموسهم أصلا، فهم تعودوا على أخذ الهدية ولا يقدمونها وإذا منحوه مالا فيكون مبلغا بسيطا جدا في حدود 2000 دج، لاعتقادهم أن الإمام يؤدي وظيفته فقط لا غير "بلا مزيته".
أئمة يفضلون قراءة الفاتحة في الأحياء الشعبية بدل الفنادق الفخمة تحدث إمام مسجد حيدرة عن العائلات البسيطة والمتواضعة وحتى الفقيرة واستعدادهم للفاتحة بتحضير وجبة طعام خاصة للشيخ وعلبة حلويات كبيرة يحملها معه عند مغادرته المنزل، كما يضيفون له مبلغا ماليا لا يقل عن 4000 دج. ويفرح غالبية الشيوخ إذا طلب منهم الذهاب لقراءة الفاتحة في أحياء مثل الكاليتوس، الحراش، براقي، الأربعاء.. لأن أصحابها يكرمون الشيخ معنويا وماديا، ويعيشون معهم أجواء الفرح والأجواء العائلية فتحل البركة على الجميع أكثر من الفنادق الفخمة التي يطلبهم فيها الأثرياء وبقية الأحياء الراقية التي يبخل أصحابها عليه حتى بعبارات الشكر. وقص إمام مسجد حيدرة حادثة وقعت له مع ثري اتصل به وطلب منه الحضور ل"قراءة الفاتحة" فأرسل إليه سيارة مع سائق أخذته من المسجد إلى فندق الأوراسي، وبقي الشيخ ينتظر لساعات ثم قرأ بعدها الفاتحة وعقد القران الشرعي ليغادر دون تلقي حتى عبارة شكر أو يشرب كوبا من الماء، فوجد السائق في انتظاره ليعيده إلى المسجد. حادثة أخرى، وقعت للشيخ عندما طلب منه الذهاب إلى سيدي عيسى بولاية المسيلة، فانطلقوا من العاصمة في التاسعة صباحا، ليصلوا في حدود الثانية بعد الزوال، حيث قرأ الفاتحة وتناولوا الغداء ليعودوا دون أن يكرمه حتى بمبلغ رمزي رغم سفر الشيخ معه وقطع مسافة طويلة.
عائلات مازالت متمسكة بالفاتحة في المسجد كشف الشيخ قسول عن حرص بعض العائلات على قراءة الفاتحة في المسجد، ففي يوم الجمعة أو الخميس بعد صلاة العصر أو قبلها يذهب الرجال إلى المسجد لقراءة الفاتحة، ويتم الإكرام بشكل عام بتوزيع الحلويات والمشروبات على الإمام والمصلين وتكون الفرحة كبيرة جدا. وهنا لا يشترط الإكرام المادي، فالإمام لم يتنقل ولم يتعب. واعترف الشيخ بأن الفاتحة تخلق علاقة مودة بين الإمام والعائلة، حتى إن بعض الأزواج يظلون على اتصال بالشيخ فيزورونه رفقة أبنائهم ويغدقون عليه بالهدايا ويدعونه في كل مرة لحضور المناسبات العائلية.
الشيخ حجيمي: الإمام لا يطلب المال لكن لابد من إكرامه فند الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، الشيخ جلول حجيمي، مطالبة الأئمة العرسان أو عائلاتهم بدفع ثمن قراءة الفاتحة، فبعض المواطنين يتكرمون عليهم بالمال وبعض الهدايا والإكراميات لكنهم لا يطلبونها ولا يحددون مبلغا معينا لقاء قراءتها. وعن طبيعة الإكراميات، أوضح الشيخ أنها تختلف باختلاف الولايات والأحياء. ففي بعض المناطق كالقبائل وجيجل، يدعون الإمام إلى تناول الطعام ثم يهدونه كمية من زيت الزيتون، أو سطلا من التين الجاف "الكرموس" ليضيف: "الإمام رمز البركة لدى العائلات الجزائرية وأحيانا يضطرون إلى المشي مسافات طويلة، وينتظرون لساعات قبل قراءة الفاتحة وكل هدفهم إدخال الفرحة في قلوب ونفوس الجميع. لذا لابد من إكرامهم". وهناك عرسان يفضلون قراءة الفاتحة في مقصورة المسجد بحضور الرجال فقط الإمام وأهل العريس والعروس، ويتم بعيدا عن المنزل تفاديا للتكاليف المادية الإضافية التي قد تسبب إحراجا لعائلتي العروسين. ودعا الشيخ العرسان وذويهم إلى مصارحة الإمام بكل ما يتعلق بالمهر والعريس أو العروس، تفاديا للوقوع في الحرج مثلما حدث معه مرة فكان يهم بقراءة فاتحة أحد الشباب والصيغة الشرعية أن يذكر اسم العريس واسم والده، فسأله عن اسم والده لكن العريس خجل ليخبروه فيما بعد بأنه مجهول النسب، فأحرج الإمام كثيرا وعمل فيما بعد على إصلاح الأمر.