أصدر الفيلسوف السويسري ألكسندر جوليان كتابا جديدا بعنوان "العيش من دون سؤال"، وفيه يشرح توجهاته الفلسفية الجديدة المرتكزة على البوذية، والرياضة الروحية، مطلّقا بذلك المسيحية. وهو يقول "الإيمان سكنني منذ البداية، وهو الذي منحني الثقة في الحياة في وقت عسير، لكنه لم يمنحني الثقة في نفسي". كتاب "العيش من دون سؤال"، الصادر في بداية شهر مارس الجاري، عن "دار النشر الفرنسية seuil"، توجه فيه مؤلفه ألكسندر جوليان إلى الفلسفة ساعيا من خلالها إلى البحث عن السكينة الروحية، وعن الوسائل التي تمكنه من مداواة جسده المعوق. وعلى مدى سنوات، راح يلتهم كتب فلاسفة الإغريق، وسبينوزا، ونيتشه. وهو لا يخفي بأنه انبهر بتلك الكتب انبهارا كبيرا. وكانت بالنسبة إليه بمثابة "الأنوار في الليل المظلم"، معتقدا أنه ستكون "فنّا سحريّا" للتخفيف من معاناته.
اكتشاف البوذية
انتبه ألكسندر جوليان، شيئا فشيئا، إلى أن كل الفلاسفة الغربيين الذين قرأ لهم بنهم، وبإعجاب، وفتن بأفكارهم ونظرياتهم، لم يفلحوا في إرشاده إلى الحكمة التي كان يتوق إليها، شاعرا بأنه "يدور في حلقة مفرغة"، وأنه "يصطدم دائما بنفس الجراح، وبنفس القروح النفسية، وبنفس الهواجس والمخاوف التي كانت تؤرقه من حين إلى حين". لكن ذات يوم، رافق ألكسندر جوليان زوجته إلى ناد كانت تمارس فيه الرياضة الروحية على الطريقة البوذية، وعلى مدى عشرين دقيقة مارس الرياضة المذكورة متحمّلا الأوجاع التي سببتها له، وما إن انتهى من ذلك حتى وجد نفسه مفتونا بها، خصوصا بعد أن أدرك أن الفلسفة الغربية لا يمكن أن تقلص من أوجاع وآلام جسده المعوق.أما الرياضة الروحية فتنسيه جسده لتقوده إلى روحه. وهو يقول "حالما اكتشفت خفايا البوذية، أصبحت الفلسفة ثانوية بالنسبة إليّ، غير أنه لا يمكن أن أنسى فضلها عليّ، فقد كانت بمثابة لغتي الأم، منها تغذيت في شبابي، ومنها تعلمت كيف أفكر. غير أن الشفاء الروحي لا يمكن أن يحصل اعتمادا على المفاهيم الفلسفية". ويضيف جوليان قائلا "لم يعد لي معلم! لقد أصبحت معلم نفسي!". لكن لماذا اختار جوليان الإقامة في عاصمة كوريا الجنوبيةسيول؟ عن هذا السؤال يجيب ألكسندر جوليان قائلا بأنه تعرف في سويسرا على رجل دين مسيحي يدعى برنار متخصص في البوذية، وهو يدرس في جامعة سيول، وبعد نقاشات طويلة معه، قرّر أن يلتحق به. وعنه يقول "الأب برنار هو طبيب روحي. وهو لا يداويني بالخطب، وبالمواعظ، ولا بالنصائح بل بالطريقة التي يدير بها شؤون حياته. ثم إنه عالم كبير، فبمساعدته تعرفت على النصوص البوذية الأساسية. لذلك بإمكاني أن أقول إنني مريده، وتلميذه". ويشير ألكسندر جوليان أنه اكتشف أن البوذية تلتقي في كثير من جوانبها الروحية مع الفلاسفة الروحيين الغربيين مثل إيكهارت، وتيريزا. وإلى جانب قراءته اليومية للنصوص البوذية، يخصص ألكسندر كل يوم ساعة من وقته للتأمل. وهو يعتبر أن هذا التأمل هو الطريقة المثلى للتخلص من القلق، ومن المتاعب اليومية، ومن الأفكار الرثة، ومن كل ما يعيق تحرره الروحي، ويمنعه من أن يعيش الحياة دون مخاوف ودون أسئلة مزعجة ومخيفة.
كتاب في التأمل الروحي
من سوء حظّ الفيلسوف السويسري ألكسندر جوليان أنه ولد معوقا وذلك في السادس والعشرين من شهر نوفمبر سنة 1975. لذلك تحتم عليه أن يمضي العشرين سنة الأولى من حياته في مصحّة للمعوقين. لكن في الرابعة عشرة من عمره، دخل إحدى المكتبات، وشرع في تصفح كتاب عن سقراط حمل كعنوان جملته الفلسفية الشهيرة "اعرف نفسك!". ذلك الكتاب جعله يظهر مبكرا شغفا شديدا بالفلسفة، محاولا من خلالها أن يتجاوز متاعبه النفسية والصحية، وأن يبحث عن الطرق الكفيلة بمساعدته على أن يتخلص من كل ما يعيقه عن الحركة، وعن التجاوب مع المحيط البشري. وفي الرابعة والعشرين من عمره، أصدر كتابا حمل عنوان "مديح العجز"، وفيه سجل خواطره عن هشاشة الكائن البشري من خلال تجاربه الخاصة. وفي الحين لاقى الكتاب رواجا كبيرا في سويسرا، وفرنسا، وألمانيا، وفي العديد من البلدان الأوروبية الأخرى. بل إن ألكسندر جوليان أصبح "نجما" محبوبا من قبل جمهور عريض من المعجبين، كانوا يستقبلونه بحرارة في جميع المدن التي يحلّ بها لتقديم كتابه، وبشغف كانوا يتابعون البرامج التلفزيونية التي يدعى إليها، والتي يبرز فيها نزاهته وشجاعته، وثقافته الفلسفية الواسعة. وجوليان يحب أن يلقب نفسه ب"الفيلسوف العاري" لكي يثبت أنه لا يخفي أيّ شيء عن نواقصه وعقده. لكن بعد زواجه من سويسرية التقى بها في إيرلندا أثناء رحلة سياحية، ومنها أنجب طفلين، قرّر ألكسندر جوليان ترك بلاده ليستقرّ في سيول.