يمثل كتاب «تراجيديا الثقافة العربيّة.. لماذا لم يعد العالم العربي يقرأ؟»، لمؤلفه د. مازن عرفة، محاولة جريئة لمقاربة إشكاليات المشهد الثقافي العربي، من خلال أزمة القراءة والكتاب في العالم العربي، حيث يدخل الباحث عرفة، بمنهجه العلمي في عمق جذور إشكالية القراءة والكتاب، ليؤطرها ضمن أزمة المشهد الثقافي العربي على نحو عام، وباشتراطاته التاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. يتوزع الكتاب على خمسة أقسام تتحدث عن مظاهر أزمة المشهد الثقافي العربي، وإشكاليّة القراءة كظاهرة وممارسة اجتماعيّة في العالم العربي الذي لم يعد يقرأ مع إطلالة القرن الحادي والعشرين، كما كان يقرأ بحيويّة نسبية في النصف الثاني من القرن العشرين. ويعرج الكتاب على ثورة الاتصالات والمعلومات، وإشكالية القراءة التي فرضت وجودها، بعد الانتقال من (العصر الورقي) إلى (العصر الالكتروني) وانتشار ثقافة الفساد وسطوة (ثقافة الاستهلاك) في المجتمعات العربيّة التي قدمت كل ما هو حسي غرائزي تسطيحي للعقل، على الاحتياجات الفكريّة والروحيّة التي كان ينعشها مشهد ثقافي إنساني. يُفصّل المؤلف في أسباب أزمة المشهد الثقافي العربي، ونهوض المشاريع الثوريّة ثم سقوطها، وتوزع العالم العربي بين (قبيلة الصحراء) و (قبيلة الحزب) .. وبدأ يعاني من اشتعال منطقته بالحروب الصغيرة والكبيرة. ويقف الكتاب عند ظاهرة انتشار (المد الديني) على أرضيّة إخفاقات المشاريع الثوريّة، حيث استفادت التيارات الإسلاميّة بشكل مباشر من إخفاقات وهزائم (المشاريع الثوريّة) والانفضاض العام للثوريين التقدميين عنها، وارتدادهم إلى أصولهم العصبويّة التقليديّة. ويبحث الكتاب في اجتياح ثقافة الاستهلاك للعالم العربي، وبداية تحوّله نحو العولمة. وتميز العصر الجديد بظاهرتين أساسيتين شاملتين للمجتمعات الإنسانيّة كافة، تمثلت الأولى بوجه تقاني من خلال انزياح عصور (التسجيلات الورقيّة) أمام (ثورة المعلومات والاتصالات الالكترونيّة) وما تركته من تغيرات سوسيولوجيّة وثقافيّة نوعيّة.. وتحددت الثانية بانتهاء مراحل الاستعمار الأوروبي والامبرياليّة الأميركيّة، ليحل مكانها شكل متطور أكثر سطوة سُمي (العولمة) المنتشرة والمسيطرة حالياً بشكلها المتأمرك (الأمركة) التي اجتاحت مجتمعات العالم كلها دون استثناء.. ومن ثم لتصبح بذلك (ثقافة الاستهلاك) أداة السيطرة الأساسيّة لها في تنميط المجتمعات وفق سياسات الغرب، مع الاستعانة بالتهديد المستمر بالقوة العسكريّة مع (غطاء دولي) ليس فقط عند تهديد مصالحه، وإنما أيضاً بحالات استباقيّة، دون الحاجة إلى تبريرات دوليّة أو أخلاقية. إن تنميط أفراد المجتمعات (بحسب الكتاب) بثقافة الاستهلاك.. وبطريقة تطغى فيها على حياتهم، يتبدى في تحويلهم إلى مواطنين مستهلكين برؤية عالميّة متأمركة، يعيشون نشاطاتهم اليوميّة في إطار تغييب العقل لصالح الغرائزيّة السطحيّة والانفعاليّة القائمة على ردود الأفعال اللاعقلانيّة، أمام إغراءات السلع بأشكالها كافة: الماديّة والمعنويّة، ولا يعني هذا أن الاستهلاك هو عملية خاطئة في النشاط الإنساني، إلا أن سيطرة ثقافته بشكل طاغٍ في المجتمع هو ما يقود إلى استلاب الأفراد بالكامل. وأخيراً، يشير الكتاب إلى أن التحولات السياسيّة الجديدة التي تعصف بالعالم العربي، منذ بداية العقد الثاني في القرن الحالي، من المفترض أن تؤسس لمشهد ثقافي عربي أكثر إبداعاً وانفتاحاً.