تعيد محكمة الجنايات بولاية عنابة، فتح واحد من أكثر الملفات إثارة وحساسية من خلال فتح قضية شبكة الدعارة الدولية التي يتزعمها الرعية الفرنسي "جون ميشال باروش" والذي بيّنت التحقيقات أنّ له علاقة بمسؤولين سابقين في جهاز المخابرات الفرنسي. وتأتي إعادة جدولة الفضيحة بعد قبول المحكمة العليا طلب الطعن المقدم من دفاع المتهم، المحكوم عليه ب 7 سنوات سجنا نافذا بتاريخ 19 أفريل 2013، في قضية تكوين شبكة دعارة دولية، تنشط تحت غطاء مؤسسة وهمية مختصة في التنمية السياحية والتنقيب عن ملكات الجمال. وتعود وقائع هذه القضية، حسب ما ورد في قرار الإحالة، إلى ماي 2012، عندما تقدّمت الضحية "ماجدة"، وهي فتاة شابة تجاوزت سنّ الحداثة خلال جلسة المحاكمة، بشكوى لمصالح الأمن الوطني تفيد بوجود شبكة تقوم باغتصاب جماعي للقصّر والمساس بالأخلاق يقودها رعية فرنسي اسمه "جون ميشال باروش" صاحب وكالة وهمية لعارضات الأزياء والسياحة بالحي الراقي خليج المرجان ببلدية عنابة.
اغتصاب جماعي وإجهاض وعروض أزياء المتهم الفرنسي أوقفته مصالح الشرطة بعنابة بتاريخ 24 أفريل 2012 رفقة النائب السابق لرئيس بلدية عنابة (س.ع 61 سنة)، المحكوم عليه بأربع سنوات سجنا نافذا، والذي يوجد خارج السجن حاليا بعد استنفاذه لمدة العقوبة الصادرة ضده، وكذا حارس الفيلا (ب. ر39 سنة) المدان أيضا بعقوبة 6 سنوات، بعد متابعتهم بجناية هتك العرض وجنح مخالفة التشريع والتنظيم المتعلق بالصرف، وتحويل قاصر، حيازة منزل مفروش من أجل ممارسة الدعارة، الإغراء والفسق، والعرض بطريقة غير مشروعة لمخدرات ومؤثرات عقلية على القصر بهدف الاستهلاك الشخصي، والإغراء على الفسق، ومنح مزية غير مستحقة، وحيازة وإنتاج وعرض منتوج مخل بالحياء، والإجهاض. كما تمت متابعة موظفة سابقة بولاية عنابة في القضية ذاتها بجنحة عدم الإبلاغ عن جناية وطلب مزية غير مستحقة، والتي تم أيضا فيها توجيه تهمة جناية وجنحة المشاركة في إنتاج منتوج مخل بالحياء لطبيب أمراض النساء والتوليد (م.ب). فيما توبع بقية المتهمين غير الموقوفين ويتعلق الأمر ب (ب.ز) (م.ي) (ك.ح) (ن.ز) بجنحتي عدم الإبلاغ عن الجناية، وتسهيل الإجهاض. وكانت وسائل إعلام فرنسية قد نقلت مؤخرا فحوى لشهادة ضابط المخابرات الفرنسية بارنار باربيي ولفتت إلى تفطن المصالح الأمنية الكندية لفضيحة التجسس على مسؤولين ووزراء ودبلوماسيين من عدة دول بينها الجزائر، إلا أنها أغفلت الحديث عن علاقة ذلك المخطط برئيس شبكة الدعارة الدولية والأفلام الخليعة والمتاجرة بالقصر لتحقيق أهداف التجسس، عبر تجنيد بائعات الهوى لاصطياد مسؤولين كبار في شباك المصيدة الفرنسية، التي اتخذت من ضاحية خليج المرجان الراقية وسط مدينة عنابة موقعًا استراتيجيا لإدارة عمليات الجوسسة على الجزائر.
البداية بالإيقاع بنائب رئيس بلدية عنابة وتمكنت الشبكة وقتذاك من الإيقاع بنائب رئيس بلدية عنابة المرشح الخامس ضمن قائمة جبهة التحرير الوطني للانتخابات التشريعية التي جرت شهر ماي 2012، كما تمكنت من تجنيد مراسلة صحفية محلية اتهمت بدورها في محاكمة مثيرة جرت وقائعها بمحكمة جنايات عنابة عدة أطراف بتسهيل مهمة الفرنسي جون ميشال باروش في الإيقاع بالعديد من الشخصيات والمسؤولين النافذين محليا ومركزيا، واستدراجهم لارتكاب أخطاء جنائية يتم بموجبها ابتزازهم والحصول على ما كانوا يصبون إليه. وذكر جون ميشال باروش لهيئة المحكمة أن الشاكية ماجدة حاكت له مكيدة مع جهات مجهولة للإيقاع به، "بعدما شعرت بأني تخليت عنها، وتزوجت من فتاة أخرى وفق الشريعة الإسلامية"، بعد اعتناقه للإسلام، على حد قوله، حيث استغلت غيابه عن الشركة لتستولي على بعض أغراضه الشخصية بمساعدة المتهمة في القضية "الموظفة السابقة بالولاية"، التي كانت تعمل مراسلة صحفية، حيث سلّمت لها ذاكرة جهاز حاسوب فيه صور ولقطات فيديو مع زوجته، وصرّح باروش أن "المراسلة الصحفية السابقة هي العقل المدبّر للمكيدة التي تعرّض لها، جراء تسريبها لأغراضه الشخصية من أجل ابتزازه"، وأثناء تصريحه بهذه المعطيات أجهش باروش مرتين بالبكاء أمام هيئة المحكمة، التي التمس منها الحصول على عقوبة غير نافذة تمكّنه من مغادرة الجزائر. ونقلت تقارير متابعة أيضا وجود اسم إمام مسجد الإسراء والمعراج محمد بن عبد الكريم الذي أسلم على يديه باروش. وبنطقه بالشهادتين، باشر إيهام فتيات جزائريات بالزواج منهن، في محاولة منه لتطمينهن ثم تجنيدهن في مخطط التجسس على هيئات رسمية ودبلوماسية، انطلاقا من عنابة التي تتيح له أيضا رصد الواقع التونسي بعد الثورة. وذكر الإمام الذي استدعته المحكمة حينها لسماع شهادته أنه شكك في نوايا الرعية الفرنسي بعدما دعاه لزيارة مقر شركته غلامور أرابين تالن المتخصصة في السياحة واكتشاف مواهب ملكات الجمال. وأفاد الإمام أن باروش أبلغه أنه يحظى بعلاقات نافذة مع كبار المسؤولين في فرنسا، وهم يدعمون استثماراته بعدة دول، من بينها تونس التي كانت آخر محطة له قبل أن يفضل الاستقرار بمدينة عنابة.
فقدان العذرية وتهديد بنشر الصور عبر الأنترنت وتقول الشاكية التي فجّرت القضية أنها تعرفت عليه قبل حوالي 6 أشهر بعد مشاهدتها مطبوعات إشهارية، لوكالة تكوين عارضات الأزياء فأغرتها الفكرة، فاتصلت هاتفيا بالرقم المدون على المطبوع الإشهاري، فرد عليها المتهم، وطلب منها الاتصال بمقر الوكالة، ولدى لقائها أخبرها بأنها جميلة وسيجعل منها عارضة أزياء محترفة، شريطة تغيير مظهرها، والحضور يوميا إلى مسكنه لمتابعة دروس اللغة الفرنسية، فقبلت بشروطه، وذكرت الشاكية أنها كانت تسمع ضجيجا بالطابق العلوي، وكانت تصادف فتيات لا يتعدى سنهن 20 سنة داخل الفيلا، وأضافت أن المتهم الرئيسي كان يجاملها بهدايا معتبرة ويسلمها يوميا مبلغ 5000 دج، وبعد حوالي شهر من التردد على الفيلا اقترح عليها باروش المبيت بمسكنه، وقدم لها قرصا مسكنا للآلام، وبمجرد أن تناولته فقدت وعيها وفي صبيحة اليوم الموالي استيقظت فوجدت جون ميشال باروش نائما بمحاذاتها، ونتيجة لذلك فقدت عذريتها تحت تأثير المخدر، وقد هددها بالتشهير بها عبر الانترنت لكونه التقط لها صورا وهي عارية، وقد سلمت الضحية لمصالح الأمن بطاقة ذاكرة هاتف نقال استحوذت عليها خفية من المتهم، وأضافت بأن باروش له عدة ضحايا أغلبهن قاصرات، وعلى إثر ذلك تم توقيفه بحي خليج المرجان.
منعرج خطير.. من جهة أخرى، فإن اتهام باروش للمراسلة الصحفية بأنها هي من كانت وراء الإيقاع به جعل المحاكمة تعرف منعرجا خطيرا في تبادل التهم بين جميع الأطراف، فبداية بالمراسلة الصحفية، التي صرحت بأنها كانت ضحية تلاعب من قِبل بعض الصحفيين الذين لم يتم استدعاؤهم للتحقيق، على الرغم من علاقتهم الوطيدة بجون ميشال باروش، حيث تنقلوا إلى منزله وتناولوا عدة مرات وجبات العشاء معه وشاهدوا كل ما كان يجري داخل الفيلا من هرج ومرج دون أن يتم التحقيق معهم، إضافة إلى حصولهم، حسبها، على مزايا غير مستحقة وأموال سلمت لهم لكتابة مقالات إشهارية لم تنشر. وأضافت المتهمة رفقة المتهم الآخر (نائب رئيس البلدية السابق) بأنهما تعرّضا لمؤامرة حيكت ضدهما من قِبل جهات كانت تسيّر الملف عن بعد، جراء رفضهما تسهيل مهمة الفرنسي "جون ميشال باروش" في الإيقاع بالعديد من الشخصيات والمسؤولين النافذين محليا ومركزيا، واستدراجهم لارتكاب أخطاء جنائية يتم بموجبها ابتزازهم والحصول على ما كانوا يصبون إليه.