صدر عن مهرجان وهران للفيلم العربي كتاب "سينما الرؤى" للناقد السينمائي عبد الكريم قادري، حيث ضم مجموعة من الدراسات بخصوص السينما العربية، حيث سيتم توزيعه بالمجان خلال المهرجان الذي يفتتح فعالياته الإثنين المقبل. وأوضح عبد الكريم قادري في مقدمة مؤلَفه، أن السينما العربية لا تزال في بحث عن مكان تُثبت فيه أقدامها في مدونة السينما العالمية، حيث يرى يرى أن ما يُنتج حاليا من أفلام في الدول العربية مجتمعة لا يشكل سوى جزء بسيط، مقارنة بما تنتجه دولة غربية واحدة لها تقاليد سينمائية، مرجعا السبب إلى بطء آلية الإنتاج العربي عموما، واصفا إياها بالمترددة، والمتوجسة، وكذا الارتدادية، وغير منوعة أيضا، فهي قد حصرت نفسها بين ما هو تجاري وفج على كثرته، وما هو فني إلى حد ما، على قلته. وتابع الناقد في ذات المقدمة، أنه من المعروف أن القلة مهما كانت لا تستطيع أن تخلق توجها، أو هوية في ظرف قصير، لذا وجب عليها أن تتوسع في إنتاجها، لتصل إلى خانة "سينما الرُؤى" لتهزم الأفلام التجارية أو المُتعبة فنيا، وتسحقها، ورغم أن هذا لن يكون سهلا طبعا، لكنه غير مستحيل أيضا، خاصة وأن هناك العديد من الأفلام والتجارب العربية الحديثة وحتى القديمة التي تناولها الكتاب العديد منها، تظهر بأن هناك حركة سينمائية عربية تتشكل في الأفق، وقد استطاعت أن تتحرر من القوالب الكلاسيكية القديمة، وتبحث عن تجارب تعكس الهوية، الذات، الألم والحلم العربي، ليس الحلم بمعناه الضيق، بل بمعنى خلق حركة سينمائية عربية بأتم معنى الكلمة، وابتكار أدوات وطريقة معالجة غير تقليدية، نتميز من خلالها عن سينما الآخر، وربما يمكننا أيضا تصديرها، لتخرج من الحيز الضّيق وترى العالم، مثل ما فعلت العديد من الأمم الأخرى، مثل دول أمريكا اللاّتينية، أوروبا الشرقية، إيطاليا، اليابان، وبلدان أخرى فعلت ذات الأمر. يواصل قادري، بأن سينما الرؤى العربية لن تبرز وتتطور إلا إذا أدرك المخرج أو صانع السينما العربي بأن البصمة السينمائية لا يمكن أن تكون في ظل التبعيّة الفنيّة والنّهل من اجتهادات الآخر، إلاّ أنّ هذا لا يعني بأن ننغلق على أنفسنا ولا ننفتح، ولكن بشرط أن يكون هناك حدود لكلّ شيء، وأن لا نذوب في هذا الآخر، وننسى أنفسنا، وإلا بقينا دائما في تبعية سينمائية، ورجع صدى لما ينتج ويأتي إلينا، ونتلاشى، وعليه ستصبح السينما العربية مُستهلكة، سواء في تلقيها ومشاهدتها للأفلام، أو حتى في صناعتنا كذلك. يتضمن كتاب "سينما الرؤى/قراءات ودراسات في السينما العربية الحديثة" مقاربات لأفلام عربية، عكست توجّهات وتيّارات مختلفة، حيث يحوي عدّة فئات، طويلة وقصيرة/روائية ووثائقية، وذكر المؤلف في ذات المقدمة بأن الكتاب يقدم دراسات واستقرات لتجارب عربية محددة، وجدنا بأنّها تحمل في طياتها بذرة يمكن أن تنمو ولبنة يمكن أن تتكئ عليها السينما العربية مستقبلا، إذ وصفناها ب"سينما الرؤى"، ولم يأت هذا الوصف اعتباطيا، بل لأنّها أفلام ذات حساسيات مختلفة، يمتلك أصحابها رؤى منوّعة، من حيث التيمة، البناء، التجريب، البحث عن متنفّس سينمائي جديد، تتوالد من خلاله أفلام مستقبلية، ربما ستعكس مفهوم "السينما العربية" بكلّ ما يحمله هذا المصطلح من ثقل دلالي، فقط وجب على صنّاع السينما في الدول العربية، خصوصا المخرجين، أن يتمسكوا بالحلم، ويسعوا جاهدين لفك الارتباط السينمائي بالآخر، ويحاولوا خلق أفلام عربية تمثلهم وتمثّل نظرتهم وفهمهم للسينما، لأنه من اتّبع الآخرين وصل أخيرا دائما، وهذا ليس في مصلحة الإبداع.