المنظومة الكروية فاشلة في غياب ثقافة المناصرة أسالت ظاهرة العنف بالملاعب الجزائرية الكثير من الحبر ، سواء من الصحف المحلية أو الأجنبية و التي في كل موسم تدق ناقوس الخطر عقب كل مستجدات جديدة أو حادث مأساوي يقع ، إلا أن القائمين على الكرة بالجزائر اعتبروا صافرات الإنذار تلك و التحذيرات مجرد مادة دسمة تملأ بها صفحات الجرائد دون أن يتحركوا هؤلاء ، مكتفين بمعالجة القضية بفرض عقوبات رمزية و قرارات بقيت حبر على الورق ، لكن و كما يبدو فإن ظاهرة العنف بالجزائر أخذت منحى آخر و أضحت تتنامى ، إلى أن وصل الأمر إلى درجة لا يمكن استيعابه . فقتل اللاعب الكاميروني إيبوسي مهاجم شبيبة القبائل من طرف مناصريه يستوجب القائمين على الكرة و المنظومة الرياضية إعلان عن حالة طوارئ لأن الوضع تجاوز الخط الأحمر جراء الجريمة الشنيعة التي وقعت بملعب أول نوفمبر و كان بطلها المناصر و ضحيتها لاعب قطع الآلاف من الكلومترات للبحث عن مصدر قوته و لعائلته ، إلا أنه لم يكن يدرك بأن مسيرته الكروية ستنتهي بمجرد إعلان الحكم بنوزة عن نهاية مباراة القبائل بإتحاد العاصمة و أنه مقبل على الاعتزال الأبدي و بطريقة أقل ما يقال عنها أنها بشعة ، نعم بشعة و مثيرة للاشمئزاز فالرغبة في متابعة الكرة أصبحت مفقودة ، و الملاعب الجزائرية لم تعد آمنة لا على المناصر و لا على اللاعب و لا حتى على الحكام ، و ليست هذه المرة الأولى التي يحدث أمر بشع بهذه الصورة ، صحيح أنه و لأول مرة تسفر ظاهرة العنف عن مقتل لاعب ، لكن لا ننسى أن هذه الظاهرة كادت أن تودي بحياة آخرين في السابق مثلما للعيفاوي الذي أدخلته مباراة في كرة القدم إلى قاعة الإنعاش بعد تلقيه لطعنة خنجر على مستوى الرقبة في عام 2012 ، و في لقاء ما بين إتحاد العاصمة و مولودية سعيدة و كاد على إثرها مدافع لياسما أن يعتزل هو الأخر الكرة و العالم ، و سبق و أن تعرض أشيو لاعتداء آخر بوهران و بغرف تغيير الملابس . ظاهرة العنف أبكت الكثير من الأمهات على فلذات أكبادها ، مناصرين انجرفوا وراء حرارة الداربيات و حماسة المقابلات و النتيجة كان الموت الأكيد سواء جراء سياسة الترقيع و الترميم للملاعب كما حدث في الموسم الفارط لمناصرين من إتحاد العاصمة اللذان دفعا حياتهما ثمنا لخطأ في التقرير التقني حول حالة المنشأة . و بلغة الأرقام فان المديرية العامة للأمن الوطني و على لسان مسئولها الأول عبد الغني الهامل في ال 22 من شهر ماي الفارط أكدت أن ظاهرة العنف للموسم الرياضي 2013 / 2014 سجلت 142 حالة شغب و عنف داخل الملاعب الوطنية و أكثر من 600 جريح ما بين أفراد الأمن الوطني و مناصرين و هو تأكيد على أن العنف فعلاً أصبح آفة و ليس مجرد ظاهرة عابرة ، كما أكدت المديرية أن العنف خلف أيضًا خسائر مادية مسّت المنشآت الرياضية و الممتلكات العامة و الفردية بأكثر من 151 مركبة . بعملية حسابية نجد أن هناك 20 مصاب أسبوعيًا ما بين مناصر و رجل أمن من مجموع 600 ضحية في ثلاثين جولة ، دون احتساب الاعتداءات التي تحدث خارج الملاعب ، أي أنه في كل أسبوع هناك خمسة مقابلات تمسها ظاهرة العنف و هو نفس العدد لكل ممتلكة سواء من مركبات أو مرافق الموجودة بالملعب كما هو الحاصل الأن بملعب زبانة الذي فقد الحلة الجميلة جراء تكسير ما يقارب ألف مقعد و كرسي ، و هي حصيلة كارثية لبطولة تعيش الموسم الخامس لعهد الاحتراف و هو ما يؤكد بأن هناك خلل في المنظومة الكروية برمتها . التسير العشوائي للملاعب وراء الظاهرة إن المناصر الذي يتنقل إلى الملعب في الصباح الباكر من أجل متابعة لقاء في كرة القدم ينطلق بعد العصر ، و بقائه في الملعب لمدة ست أو سبع ساعات في المدرجات ، و قبل ذلك دخوله سيكون بعد تزاحم و دفع و ضرب و غيرها من أساليب المعمول بها بالجزائر ، لأن القائمين على الملعب رفضوا فتح باقي الأبواب لحجج تبقى مجهولة ، أضف إلى ذلك الأمور التنظيمية و ضروريات المناصر المنعدمة بالملعب ، فلا مراحيض مفتوحة و لا أكشاك منصوبة و لا هم يحزنون ، ليكون في الأخير مردود هزيل و مستوى ضعيف للاعب يتقاضى الملايين دون أن يمتع الأنصار المتوافدة و التي بالكد ضمنت مكان بالمدرجات غير المغطاة فساعات طويلة تحت أشعة الشمس أو صقيع البرد مرفوق بأمطار كلها تولد طاقة سلبية تؤدي في الأخير إلى نشوب العنف مخلفًا ضحايا لن يسلم منها لا لاعب و لا مناصر . من يسمح بدخول القصر إلى الملعب ؟ يبقى الإشكال مطروح لماذا يسمح للقصر بالدخول إلى الملعب ؟ رغم أن هناك قوانين تمنع ذلك إلا أنها لا تجسد على أرض الواقع ، لأننا في بلد لا تحترم فيه قوانين الاتحادية التي تتحمل جزء من المسؤولية لأنها تهاوي في تطبيق العقوبات إن لم نقل أنها تعتمد على سياسة الكيل بمكيالين و رب عذر أقبح من الذنب لان تغاضي القائمين على الكرة عن الأمور الردعية كلفنا هذه الحالة فالغرامات المالية لم تعد كافية و لم يعد لها معنى بالنسبة للقائمين على الفرق الذين يعتمدون على أموال و إعانات الدولة لتسيير فرقها . الإعلام يتحمل جزء من المسؤولية كما لا يمكن أن نذكر جل الأسباب التي تأخذ لظاهرة العنف دون التعريج على نقطة هامة ألا و هي الوسيلة الأقرب لدى المناصر و اللاعب ، و نقصد بذلك الوسائل الإعلامية سواء المكتوبة منها أو المرئية ، فهناك بعض الإعلاميين يتناولون مواضيعهم الصحفية يخيل للمناصر العادي بأن اللقاء الذي سيخوضه فريقه سيكون لقاء حياة أو موت مما يولد شحنة سلبية تضاف إليها المعاناة التي يلقاها و المذكورة سلفًا ، فكلها تصب في خانة تغذية العنف .
الانحراف يستأسد في عهد الاحتراف رغم اننا في الموسم الخامس في عهد الاحتراف ،إلا أن الأمور لا تزال تراوح مكانها ، فالنظام الذي أجبرته الاتحادية على 32 فريق مرةً واحد لم يكن مدروسًا و الجميع يعلم بأنه لا يوجد فريق في القسمين الأول و الثاني يحترم دفتر الشروط المنصوص عليه من طرف الفيفا ، فما قدم الاحتراف سوى العنف من موسم إلى آخر ، و في بداية هذا الموسم يقتل لاعب بعد جولتين من انطلاق المنافسة ، كارثة ملعب أول نوفمبر بتيزي وزو التي شوهت سمعة الجزائريين و ليس الكرة الوطنية فحسب ، تجعلنا نشاطر فكرة من يطالبون بإجراء المقابلات بدون أنصار حرمانهم من دخول الملعب ، نشاطر من يطالبون بإقصاء أي فريق يتسبب مسيروه في نشوب العنف كيفما كان نوعه ، نشاطر أي قرار يكون من الرابطة الوطنية ، لكن شريطة أن يعيد الصورة الرائعة التي رسمها خريجي المدارس الأوروبية رفقاء فيغولي في مونديال البرازيل ، لأن الموجود حاليًا و حادثة الجولة الثانية يرسم صورة قاتمة عن الكرة الجزائرية التي جعلت أعداء الجزائر يتهجمون على بلادنا .