استمتع الجمهور الوهراني مساء أول أمس الأربعاء بركح عبد القادر علولة بوهران، بالعرض الجريء والمثير لمسرحية "دلالي" آخر إنتاجات المسرح الجهوي لسيدي بلعباس من تأليف يوسف ميلة وإخراج عبد القادر جريو،وهي مقتبسة عن "محكمة العدل في بلخ" ل"بهرام بيضائي"وعالجت هذه المسرحية الفكاهية،موضوعا سياسيا يتعلق أساسا بإشكاليات الحكم المستبد وغير العادل وكيف تعيش وتتأثر مختلف المجتمعات الإنسانية بسلبيات هذه الأنظمة المنغلقة التي لا تعرف ولا تقدس سوى الحكام... الأكيد أن هذا العمل الدرامي الجديد والذي شهد حضورا جماهيريا معتبرا، حاول تكسير الكثير من نقاط الضلال في حكم دولة بلخ "الفاشلة، كتسليطه الضوء على ظاهرة المتملقين والمستفيدين من الريع ونعني هنا بالخصوص المتزلّفين الذين يتوددون لمسؤوليهم بشتى الطرق من أجل نيل رضا السياسيين حتى ولو على حساب مبادئهم وشرفهم، حيث أن المسرحية التي أنجز ديكورها عبد الرحمن زعبوبي وخاطت ملابسها نصيرة قادري، جاءت لتربط مع ما هو حاصل حاليا في الكثير من بلداننا العربية على غرار تفشي ظواهر تعاطي المخدرات واستخدام غير المفهوم للكثير من المصطلحات والمفردات اليومية السوقية لدى الشباب، فضلا عن الخوف و"الفوبيا" من التعددية الإعلامية بل وحتى تبديد الأموال في مشاريع مهيكلة ضخمة ولكنها خاسرة وبلا فائدة. ....في هذه الإمبراطورية المسماة "بلخ"، قد حاول الممثلون الذين جسدوا هذه "الدولة الفاشلة" نقل الجمهور إلى عالم مليء بالمشاحنات والبغضاء بين السياسيين ونعني بالخصوص هنا الأحزاب السياسية التي تستعمل لغة وحوار الطرشان الذي عادة ما ينتهي في مجمله بالتطرف، التعصب بل وحتى العنف،حيث تشعر وأنت تتابع مسرحية "دلالي" وكأنها نحتوي في جعبتها الكثير من الإسقاطات على بعض البلدان العربية التي واجهت في الماضي القريب مثل هذه الأزمات الحادة وقد زاد من جمالية هذا العمل الدرامي، ذلك الصوت الجهوري للمغني محمد بن حبيب الذي تحول بين عشيو وضحاها من فنان ملتزم إلى "مطبل" و"مزمر" يدعو فيه الشعب إلى التصويت والمشاركة في انتخابات حكومة "بلخ" المضطربة والصاخبة بالمشاكل السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية...هذا دون أن ننسى الإيقاعات الموسيقية الخفيفة والمتوازنة للفرقة الموسيقية التي كانت في كل مرة تتزاوج وتتوافق مع العرض الدرامي. وقد كان اختيار الشخصيات عموما موفقا إلى حد بعيد،حيث أول ما أثار انتباه المتابعين للمسرحية تلك الملابس التي كان يرتديها الممثلون لاسيما حاكم هذه الدولة المستبدة وخوفه من شعبه الذي "شخصّنه" المخرج في شكل بعبع مخيف قد ينقلب عليه في أي لحظة، هذا الأمر أثار إعجاب الجمهور وجعله في كل مرة يصفق وبحرارة على هذه المسرحية الجديدة التي جاءت لتعالج ظواهر سياسية "مرضية" باتت العديد من الدول ولاسيما العربية منها بالخصوص تعاني منها.