الجنرال الفرنسي ديغول "عراب" العقيدة التربوية العسكرية الجهنمية لا ننكر فضل عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي في مجابهة الخطة هنالك أرشيف للدولة الجزائرية لا يمكننا الإطلاع عليه مهما طال الزمن أكد الدكتور صحبي حسان أستاذ جامعي ومحاضر بالمدرسة العليا للطيران بطفراوي بوهران، أن فرنسا الاستعمارية قامت بجرائم إبادة عرقية (Ethnocide) وقتل للحضارة إبان احتلالها الجزائر، وأضاف صحبي حسان في حوار خص به أمس جريدة "الجمهورية" أن كتابه الجديد "العقيدة التربوية الاستعمارية الفرنسية في الجزائر 1830- 1962"، جاء ليفضح جرائم الإبادة "الإتنوسيدية" لجنرالات فرنسا، الذين أعدوا هذه الخطة، للضغط على جيش التحرير الوطني وطمس الهوية الوطنية للشعب الجزائري، بمكوناتها الأساسية، اللغة العربية، الإسلام والأمازيغية، وأضاف محدثنا، أن هذا المرجع الذي ارتكز على مجموعة من الوثائق الأرشيفية الهامة، يمثل مصدرا علميا، من شأنه تسليط الضوء على العقيدة التربوية الجهنمية، التي أراد من خلالها الجنرال ديغول، ضرب صمود جيشنا الباسل الذي قصم شوكة الفرنسيين في مختلف المعارك التي خاضها معهم. الجمهورية: لماذا قام جنرالات فرنسا، باستخدام ورقة العقيدة التربوية التغريبية، لضرب الثورة الجزائرية؟ ومن كان صاحب هذه الاستيراتيجة التي تمثل إحدى الوسائل الخطيرة لطمس هويتنا الوطنية؟ صحبي حسان: لا نستطيع أن نفهم أو نطّلع على النظام التربوي في الجزائري، ما لم نتطرق للتاريخ، وأي تاريخ نريد خوض أغواره علينا بقراءة تاريخ الحروب في بلادنا، لأننا لم نعرف لغة العدو إلا عن طريق الجيش الفرنسي، ولولا هذا الأخير الذي غزا بلادنا لا ما عرفنا الفرنسية، لذلك لغة موليير هي لغة استعمارية، مهما طال الزمن وأبدا تكون غنيمة حرب، لأنها فرضت على الشعب الجزائري بلغة السلاح والبارود، ومن ثمة يجب القول إنه توجد علاقة بين العلوم الحربية والتربوية، فإذا لم نتحكم في الأولى لا يمكن أن نفهم الثانية... كما قالها وأكدها الجنرال لاموريسيار عندما قال "إن الحرب في الجزائر كلها علوم، بما فيها التاريخ والجغرافيا المرتبطان بهذه الحروب"... من 1830 حتى 1962 قام الشعب الجزائري بحربين الأولى عسكرية والثانية، مقاوماتية لمشاريعه التربوية الماكرة، وهذا حتى يحافظ على لغتيه العربية والأمازيغية، ومعهما الإسلام، ومن هذا المنطلق قامت فرنسا الاستعمارية، والجيش الفرنسي بجرائم جسيمة ومهولة أو ما يسمى علميا بالإبادة الجماعية، أو "جينوسيد" كما ارتكب من الناحية التربوية، جرائم من نوع آخر يمكن أن نسميها ب"إتنوسيد" أي جريمة قتل الحضارة، "... بمعنى آخر قتل اللغة العربية، الإسلام، والأمازيغية، لذا الجنرال ديغول لما جاء إلى الحكم، وجد أن الفرنسيين كانوا مخطئين، ماذا قال لهم؟ .... قال لهم إذا أردتم الاحتفاظ بالجزائر فرنسية، يجب الاهتمام بالنظام التربوي، من خلال القضاء على اللغة العربية والإسلام، حينها تصبح "الجزائر فرنسية"... فعندما كان جيش التحرير الوطني حاملا السلاح في الجبال، كانت فيه حرب تربوية شرسة، حيث قام الجنرال ديغول بفتح المدارس، الابتدائيات، المتوسطات، الثانويات، وبشكل جزئي الجامعات، أمام الجزائريين، فكان بحق أب الاستعمار الجديد، حيث تشير أرقام رسمية إلى أنه في 1958قام بإدخال قرابة المليون وثمانمائة وستين ألف إلى مختلف المؤسسات التربوية، وهو بهذه الاستيراتيجية أراد إضعاف والضغط على جيش التحرير الوطني في الجبال، ومن ثمة نقول إن فرنسا شنت على الجزائر حربين تربوية وعسكرية، تتماشى بشكل مزدوج ومتوازي. وهل نجحت فعلا هذه الخطة الجهنمية للجنرال ديغول؟ لو طبقت قبل 1958، لكانوا قد نجحوا، لكن الوقت كان قد فاتهم، حيث أن الخطة جاءت متأخرة بأكثر من قرن... صحيح أنه في مصادر تقول إنه وبالرغم من استقلال الجزائر من نير الاستدمار الفرنسي، إلا أن الإدارة عندنا باتت مفرنسة بشكل كبير، لكن يجب أن نشير إلى مسألة مهمة وهي أنه حتى المناصب أيضا مفرنسة، لأن الهيكلة وبنيوية الإدارة الجزائرية هي بنية استعمارية... فقانون العقار، الأحوال الشخصية، النظام التربوي، فيه الكثير من المؤسسات لا تزال تعمل وفق النظام التسييري الفرنسي، لذا يجب أن نوضح مسألة غاية في الأهمية هي إنه وإلى حد اليوم لم نعد نفرق بين الإدارة الجزائرية والفرنسية، بسبب هذا الموروث الاستعماري الطويل، بحيث فيه قوانين منذ 1835 لا تزال سارية المفعول إلى اليوم في بلادنا، حيث وعلى سبيل المثال لا الحصر، لما احتلّ الاستعمار الفرنسي بلادنا، وألغى نظام العقار السابق، الذي كانت تتبعه، الزوايا، المساجد والكتاتيب، واستبدله بآخر جديد ودخيل على مجتمعنا، حتى يصفوا نهائيا اللغة العربية، لأنها كانت هي روح عمل العقار عندنا، ومن ثمة أصبحنا بدون شعور نعمل وفق قوانين ما قبل 1962. الأكيد أنه وبالرغم من حملات هذه العقيدة التربوية الاستدمارية، إلا أنه كانت فيه حركة إصلاحية دؤوبة، من قبل علماء جمعية العلماء المسلمين، الذين وقفوا متحدّين هذه الاستيراتيجية التغريبية الخطيرة، فهل نجحت جهودهم في مواجهة هذه الخطط الخطيرة؟ لا أعتقد ذلك، المواجهة التربوية، تشترط مهارة سياسية وعلمية، لا نستطيع أن ننكر ما قام به علماؤنا الأجلاء من دور إصلاحي كبير وقتذاك، ولكن المجابهة الاستدمارية، كانت شاملة وجميع الجزائريين شاركوا فيها دون استثناء، حيث كان هدف الجميع حينها هو طرد المستعمر الفرنسي دون قيد أو شرط، وهذا ليس معناه أننا ننكر فضل العلامة عبد الحميد بن باديس، الشيخ البشير الإبراهيمي وجميع المشايخ الأجلاء الذين كانوا معه في ذلك الوقت، لاسيما وأن نسبة كبيرة من الجزائريين كانوا أميين. بل وعلى العكس من نذلك نحترمهم ونجلهم ونبارك عملهم الإصلاحي والدعوي الكبير، لاسيما وأنه كان عاملا في توعية وتجنيد الشعب الجزائري في الحركة وجيش التحرير الوطنيين. فرنسا كانت لديها عقيدة عسكرية، الميدان، الحرب وارتكاب الجرائم بحق الشعب الجزائري، بالموازاة من ذلك ارتأت أن تدعّم هذا النهج الدموي بعقيدة تربوية، لسلخ أجدادنا وأبائنا عن هويتهم العربية، الإسلامية، برأيكم من كان ذو تأثير شديد الإبادة العسكرية أم الإبادة الثقافية؟ بالطبع العقيدة التربوية... الجزائريون كانوا واعين بما كان يخطط له الاستدمار الفرنسي، برأيكم لماذا أعدمت فرنسا الشهيد أحمد زبانة؟ السبب بسيط وواضح لأنه كان يملك شهادة مدرسية ابتدائية تسمح له بصناعة المتفجرات، وتركيب الأسلحة، بمعنى أن فرنسا كانت تقتل كل من يعرف القراءة والكتابة، حتى لا يكون شمعة يضيء بها آخرين، لاسيما وكما ذكرت سابقا، أن نسبة كبيرة من الجزائريين كانوا أميين. الأكيد أن كتابكم الجديد، يرتكز على مجموعة من المصادر والوثائق الهامة، هل وجدتم صعوبة في الحصول على الأرشيف الاستعماري الفرنسي؟ اعتمدت كثيرا على الترجمة، ولا أخفي عنكم أنني لم أجد صعوبة كبيرة في جمع المصادر، لأنه هناك سر غامض في في التقارير والأرشيف الجزائري، وأتحدى أي شخص يقول إنه قادر أن يضع أرشيفا عن الجزائر، فالدولة غير متخوفة من فتحه ولكن ليس لديها المعلومة، لأنه يوجد سر إلا عند الأخصائيين، الذين يستطيعون جمعه، حيث يوجد بعض الأساتذة الذين أتوا بمصادر علمية تاريخية وبإمكانياتهم المتواضعة، ولا تستطيع الدولة بقوتها الاقتصادية أن تحصل على هذه المصادر التاريخية الهامة، لأن الأرشيف يشترط مهارة عالية جدا، في نوعية المصدر، التقرير والأوراق، وكيف كان توزيعها وعددها، وكيف نستطيع أن ننشرها، لأننا صادفنا حالات يكون فيه الأرشيف إلا في وثيقة واحدة، وأحيانا نجد أرشيف قد نشر إلى أكثر من ألف نسخة، حسب أهمية المحتوى العسكري والمعارك الكبرى والفلاحة العسكرية، لأن الفلاحة مجال عسكري وليس مدنيا، وهنالك أرشيف الدولة الجزائرية مهما طال الزمن لا تستطيع أن تراه إلى يوم الدين، لأنه يحتوي على جرائم كبرى قام بها الاستدمار الفرنسي في بلادنا ولا نستطيع كشفه للأجيال. ولكن رغم ذلك فيه بعض الأخصائيين في الأرشيف قد تحصلوا على هذه الوثائق وبأعجوبة تتضمن الكثير من المعلومات العلمية الأرشيفية الهامة وهم قلائل جدا. من المؤكد أن هذا البرنامج التربوي العسكري الضخم خصصت له فرنسا الكولونيالية ميزانية ضخمة ومعتبرة، ممكن نعطينا بعض المعلومات إذا أمكن بخصوص هذه النقطة الاستيراتيجية العسكرية السرية؟ الشيء المؤكد، أن النظام التربوي الاستدماري في الجزائري، من 1830 إلى 1962، كانت تحت مراقبة وزارة الدفاع الفرنسية، لأن الضباط الكولونياليين، كانوا يدركون أن بقاءهم في الجزائر وخروجهم منها مرتبط بمدى قضائهم على اللغة العربية وديننا الإسلامي الحنيف، فتشبث الشعب الجزائري بهاذين المكونين الأساسيين في هويتنا الوطنية جعل فرنسا تدرك أنها سوف لن تبقى مدة طويلة في بلادنا، فالإسلام يمنع الاندماج التربوي وكل أشكال الأحوال الشخصية. لذا جاء المستعمر من أجل مسألة واحدة لا ثانية لها، أن يخضعنا ويركعنا ويقتلنا... في 31 أكتوبر 1954، الشعب الجزائري كان كله تحت السيطرة الاستعمارية، حيث أن القتل والذبح كان مصير كل واحد يتحدث عن حقه، إلا أن دقيقة واحدة بعد 31 أكتوبر، جعلت كل شيء تغير رأسا على عقب، حيث أصبح الشعب الجزائري حاملا للسلاح، أصبحت لديه قيمة ويفكر في التحرر من براثن الاستدمار الفرنسي. برأيكم لماذا قبلت فرنسا بالتفاوض مع الطرف الجزائري، بالرغم من كل هذه المخططات الشيطانية الرهيبة؟ الحرب التربوية والعسكرية، أجبرت وأرغمت الجنرال ديغول أن يتفاوض مع الحكومة المؤقتة لماذا؟ بعد المؤرخين عندنا للأسف يتساءلون لماذا جلس الجنرال ديغول على طاولة المفاوضات مع جيش التحرير "المنهزم"؟، فهل من المعقول أن تتفاوض قوة عسكرية قوية ومتفوقة في الميدان مع قوة أخرى منهزمة؟ فالمنهزم منطقيا لا يتفاوض مع المنتصر، لذا الحقيقة هي كالتالي، قبول ديغول بالتفاوض مع جيش التحرير، راجع إلى تقرير والدراسة العلمية التي قام بها الجنرال "بيار جروسان" (Pierre Grossin)، الذي حذر تحذيرا شديدا ديغول في 1960، عندما اطّلع على سجلات الحالة المدنية في الجزائر، وأخبره أن جيش التحرير الجزائري بمقدروه تجنيد 585 ألف جندي، شاب جزائري ما بين 20 و22 سنة، مولودين بين 1910 و1943، وأن لديهم مشكل، لو يحله جيش التحرير الوطني، لا ينجو أي عسكري فرنسي واحد منه، قال له الجنرال ديغول وما هو هذا المشكل؟، فرد عليه "جروسان"، لو تقوم قيادة أركان الجيش التحرير بفتح مراكز التدريب، واستيراد السلاح من الخارج ! لانتهى كل شيء وأصبح جيشنا في عداد القتلى والجرحى والمفقودين. تحدثتم بإسهاب، عن جهود الجزائريين قاطبة، إبان الثورة التحريرية المظفرة، من أجل محاربة هذه العقيدة التربوية الفرنسية الرهيبة، برأيكم لماذا، قام المفاوض الجزائري، بكتابة وتحرير اتفاقيات إيفيان باللغة الفرنسية؟ لأن كل المفاوضين الجزائريين كانوا يتحكمون في اللغة الفرنسية، ما عدا الرئيس الراحل هواري بومدين الذي كان يتحكم في اللغة العربية، ولكنه لم يكن معهم... ثانيا: "أن الهدف الأساسي هو طرد وإخراج الجزائر بأي ثمن، فلم تكن تهم اللغة التي نكتب بها ديباجة مفاوضات "إيفيان" الاتفاقيات، بقدر ما كانت تصفية الاستعمار وطرده، هي الأساس وفي سلم أولويات المفاوضين الجزائريين.