"فبراير أسود" بأتم معنى الكلمة... تفجيرات نووية يندى لها الجبين، وتاريخ مليء بالجرائم الإنسانية والطبيعية التي لا تغتفر... هي فرنسا العجوز، التي جعلت من صحرائنا الشاسعة، حقل تجارب رهيبة ومرعبة، أهلكت الحرث والنسل، إذ لا تزال إلى اليوم العديد من مدن الجنوب، تعاني جحيم الإشعاع النووي وبقاياه التي حوّلت الحياة الهادئة والطبيعة الخلابة لفيافينا إلى ما يشبه منطقة عسكرية محرمة على الجميع زيارتها والوقوف على تعدد أنواع حيواناتها البرية، حيث أنها باتت مناطقا مهجورة، ومقبرة لجميع من يتجرأ الاقتراب منها، بسبب تلوث ترابها وتلبد لون سمائها، وتلطخ أبارها التي تحولت مياهها الباطنية، إلى ما يشبه السم الزعاف... هذا هو فبراير الذي بشر به الجنرال ديغول العالم من وراء البحار ذات 1960، كله سواد، حزن ودمار، إذ ورغم مرور أكثر من 50 سنة على التفجيرات، إلا أن لعنته المقيتة ما زالت تطارد الجزائريين في رقان، وادي الناموس و"إين إيكر" بتمنراست... حقا إنه شعوذة نووية كما وصفها الدكتور كاظم العبودي وجريمة لا تغتفر مثلما صنفتها المحامية فاطمة بن براهم، فآثار هذه التجارب النووية، بقدر ما كان انتصارا لفرنسا الكولونيالية على حسب زعمها، كانت هزيمة للفكر الإنساني العقلاني البشري، الذي تحوّل بين عشية وضحاها، إلى مصاص دماء يقتل كل ما هو جميل في عروق وجبال وباطن وواحات صحرائنا التي مزقها هذا الحقد الاستعماري الدفين، فكانت بالفعل هذه "اليرابيع" المسمومة، نهاية لتاريخ امبريالية المستدمر الفرنسي، الذي جن جنونه جراء الهزائم التي تلقاها في مختلف أنحاء الوطن، على أيدي مجاهدينا الأشاوس، فكانت هذه التجارب "غير الناجحة" رسالة من نمر جريح، إلى أمم العالم، أنه لا يزال قادرا على الإمساك بزمام الأمور في الجزائر، بل وأضحى من بين دول النادي النووي العالمي، لكن كل هذه "الرهانات الديغولية" الخاسرة في جنوبنا الأشم، لم تزد رجال الله في الأرض إلا ثباتا ورسوخا في الميدان، بل وكانت "وقودا نوويا" إضافيا لهم، من أجل إحراز المزيد من الانتصارات على الجيش الفرنسي المنكسر... وما ينبغي التأكيد عليه، هو أن هذه التجارب التي لا تزال إلى اليوم تتسبب في إصابة المئات بل الآلاف من الجزائريين بأخطر أنواع السرطان والإجهاض والحساسية... إلخ، إلا أن سياسة "العمى وشاهد ما شفشي حاجة" لا تزال إلى اليوم، تسيطر على الفكر والعقل السياسي في فرنسا، حيث أن إصرار الحكومة والمجتمع المدني عندنا، على استرجاع حقوق الضحايا وتعويضهم ماديا، سينتهي لا محالة بالنصر والانتصار، لأننا أصحاب حق، وأن شهر فبراير الجزائري، كله اخضرار، أمل وبياض ويختلف عن فيفري فرنسا الأحمر، الكئيب الأسود.