لازلت لا أفكر في التخلي عن أمنية أن أجد نفسي يوما ما جدة تحكي الحكايات ، وأحفادها حولها مجتمعين لأجل حكاية جديدة أو تكملة لأخرى لم تكتمل بعد ، لكن اعتادت الجدات أيام طفولتي وقبل ميلادي على أن يحكين بطولاتهن وبطولات أزواجهن وإن كانت مشبعة بالخرافات، إلا أنها تحكي البطولة وقيم النبل والعطاء ، وانتصار الخير على الشر .. فماذا أحكي وأنا وليدة الفرقة والنزاعات ؟،ولأننا بتنا نرى ونتغنى كذلك بأن الإنسانية ما هي إلا خرافة كنا نعيشها أيام الجيل الذهبي في كل ما يدور حوله ، أشد أمنية لدي هو ألا يصل ذلك اليوم إلا بعد أن يستفيق الأمير العربي من مجونه وسباته ويمسك بيد أميرته الإنسانية التي طال تخبطها وسط عفن الشعارات وهذيانها ، ويعيدان معا بعث المفهوم الحقيقي لوجودنا كبشر، لا كدمى تحركنا أيادي خفية كعرائس القراقوز ، فقد اشتقت أن أشم عبق الياسمين الذي تنبت أشجاره في سوريا بمحاذاة شجر الزيتون، الذي يعلو غصن منه رأس يمامة السلام ....وعبق شيشة الأرقيلة بمصر، وهم مجتمعون في المقاهي يحكون وجعا واحدا ، وهو قلب الإنسانية فلسطين، لا انبهارهم بمغناطيس الغرب ومحاكاته للإنسانية التي تخدمهم كي يكونوا هم وحدهم من يشرع ويبطل أي حق للبشر حتى الحق في مقدار الحياة، وهم يهتفون بجهودهم في إرساء أسس الحب والسلام التي أخذت مبادئها من شريعة المحبة الإنسانية، الإسلام بعد أن درسوا نهجه في المخطوطات الصفراء قبل الكتب . ونعود كعرب لنتغنى بمصر أم الدنيا ، وتعود العراق لمجدها العربي الأصيل الذي لا تثريب عليه كان ،ويعود المغرب لجبروته وثباته مشتاقا لرهافة ورومانسية الشرق ، متماسكين معا لإعطاء درس أخر في الإنسانية وهو أن الجسد الواحد هذا له قدرة تشفي الإنسانية جمعاء دون حاجته لنشر الداء، فهو الوطن الذي أنجب للدنيا الكثيرين في الشرف والتضحيات والحب والكرامة ، فها هو أحد أولاده عنترة ابن شداد يقول : وقد أبيت على الطوى محله، حتى أنال به كريم المقصد ومقصده ، كان كرامته مقابل جوعه وعطشه ، وابنه الآخر حاتم الطائي الذي يبيت أهله جياعا لأجل عابر السبيل، هو وطن لن يجد حرجا أبدا في أن يعالج الإنسانية جمعاء،وأنا أقرأ مذكرات مالك بن نبي تعلمت واقتنعت أنه علينا نحن أن نحدث تغييرا لا هم ، وبذلك قد أجد ما أحكيه عند مقام الجدات ، فلا يمل الأطفال من تكراري لحكاية " عازا ومعزوزة " ..