فالتهديدات الصهيونية المتتالية بالتصدي لأسطول سفن الحرية المتوجه من تركيا واليونان معا، والعرقلة التي تواجهها سفينة "راشيل كوري" (الهيئة الأمريكية على يد الجرافات الصهيونية في مارس 2003)، المتوجهة من إيرلندا إلى غزة، كلها إشارات تشير إلى أن يومي 23 و24 الجاري، سيكونان يومي مواجهة في مياه البحر الأبيض المتوسط، الذي يبدو أن تل أبيب تسعى لتحويله إلى بحيرة صهيونية بالكامل، وأن تتوسع بحرا، فيما تسميه مياهها الإقليمية، كما تتوسع برا في فلسطين والجولان ولبنان. لقد انطلقت فكرة أسطول سفن لكسر الحصار على غزة، تحمل على متنها مواد للإعمار وللدواء والغذاء، بعد أن تمكن المحتل الإسرائيلي من منع سفن عربية وإسلامية وأوروبية وبالقوة من الوصول إلى سواحل غزة، ومن بينها سفينة الإخوة اللبنانية التي ما تزال محتجزة في ميناء أشدود منذ أوائل فيفري 2009، بعد أن اصطدم روادها الشجعان بجحافل الجيش الصهيوني البحري والجوي، وهي سفينة – ويا للعار- لم يتلق مالكوها الشرفاء من أحد أي تعويض عن خسائرهم فيها. اعتبر مطلقو الفكرة، آنذاك، أن فكرة الأسطول المتحرك من دول قوية يحسب لها حساب، لاسيما تركيا واليونان، وتحمل على متنها نوابا وسياسيين ومثقفين بارزين وإعلاميين من أصقاع متعددة من العالم، قد تعطي حصانة لمبادرات كسر الحصار من البحر عن مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة، فانتدبت هيئات أهلية فاعلة في بلدان عدة نفسها لتحويل هذه الفكرة إلى واقع، لكن الغطرسة الصهيونية، وقد أخذت شكل القرصنة بكل ما في الكلمة من معان، تصرّ على التعامل مع الأسطول الكبير بالطريقة ذاتها التي تعاملت فيها مع السفن الصغيرة. لا بل أن حومة نتنياهو المدججة بوحوش بشرية، تريد أيضا أن تثأر من تركيا، على مواقفها المشرفة من القدسوفلسطين ومن اليونان، التي بقيت دون غيرها من الدول الأوروبية مساندة للحق الفلسطيني، كما من أحرار العالم وشرفائه، عبر التصدي لهذا الأسطول الذي يحمل رسالة فيها من الإنسانية ما يفيض عن المواد الإنسانية التي يحملها. فهل تكون الأيام الفاصلة بيننا وبين موعد انطلاق الأسطول مليئة بتحركات شعبية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية تحبط العنجهية الصهيونية، وتؤكد أن صوت الحق والخير والإنسانية مازال أقوى من أسلحة العدوان والشر والعنصرية. هل يثبت المجتمع الدولي، ولو لمرة واحدة، أنه قادر على الانتصار للمبادئ التي قامت عليها مؤسساته، وللقرارات التي اتخذتها منظماته، وللقانون الدولي الإنساني الذي تحتكم إليه فيرفض التهديدات الصهيونية، ويحمي المبادرات الإنسانية. وهل يقوم النظام الرسمي العربي مرة بواجبه في الانتصار لشعب عربي محاصر، وفي احتضان مبادرة إسلامية ودولية كريمة، فيتصدى للجريمة الصهيونية التي تتكرر فصولها كل يوم، وسط إحساس غامر لدى مجرمي الحرب الصهاينة أنهم لن يجدوا من يردعهم. + الأمين العام الأسبق للمؤتمر القومي العربي