رفض أحد أطراف الحوار الليبي للمقترح الأممي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحفّظات الطرف الآخر على هذا المقترح من شأنه أن يعيد العملية السياسية إلى نقطة الصفر، وسيطيل ذلك من عمر الأزمة التي تعصف بهذا البلد منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، إلى أن يأتي على ما تبقى من معالم يمكن أن يعاد على أساسها بناء الدولة. والواقع أن الأزمة في ليبيا تشعبت حتى أصبح تصور حل لها خارج حوار ليبي ليبي غير ممكن بتاتا والدليل على ذلك جولات الحوار التي رعتها الأممالمتحدة، والتي لم تزد الأزمة إلا تفاقما بعد أن فتحت حدود هذا البلد البحرية والبرية والجوية لدخول الجماعات المتطرفة لاستغلال حالة التسيّب التي تسبب فيها ما سمي بالربيع العربي والاستفادة من الانفلات الأمني وانتشار السلاح بمختلف الأنواع والأعيرة حتى أصبحت لغة السلاح هي السائدة على كل لغة. والحالة الليبية أصبحت مثالا سيئا لتغيير السلطة خاصة إذا جاءت مدعومة من الخارج وبقوى استعمارية، فلا هي خدمت مصالح الغرب الذي سارع إلى التدخل عسكريا في هذا البلد قبل حتى أن تصدر الأممالمتحدة قرارها بذلك كما هو حال فرنسا، ولا هي خدمت الشعب الليبي الذي ذاق ويلات الحرب الأهلية ما يزال. زيادة على ذلك أصبحت الحالة الليبية مصدر تخوف من تكرارها في البلدان التي يراد تغير الأنظمة فيها وعلى رأسها سوريا خوفا من خروج الوضع فيها عن السيطرة، ودخول منطقة الشرق الأوسط في متاهة لا تريد لها مصالح الغرب أن تدخلها، لذلك نجدها تنحرف إلى تفضيل الحل السياسي لهذه الأزمة بدل الحل العسكري الذي كثيرا ما لوحت به عدة دول منذ بداية الأزمة المسلحة في هذا البلد. والدرس الذي ينتظر أن تستفيد منه الشعوب العربية التي أحرقتها نار ”الربيع العربي” هو أن تحل خلافاتها بعيدا من التجاذبات الإقليمية والدولية، وأن تسخر قدرات الدولة لرفاهية الشعب وازدهاره في كنف الأمن والاستقرار، بدل استغلال هذه القدرات وعلى رأسها الرأسمال البشري للتناحر والتقاتل. وهو نفس الدرس الذي يجب على الدول المستهدفة من هذه المؤامرة الغربية أن تتمعن فيه للتصدي لها بتقوية الجبهة الداخلية وتمتين النسيج الاجتماعي، وتحصين الشباب ثقافيا ودينيا وايديولوجيا حتى لا ينجر إلى الشعارات الرنّانة التي يستخدمها الغرب كحصان طروادة لنشر الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد، باسم حماية الأقليات وحرية الاعتقاد ومحاربة العنصرية وكراهية الآخر. وهي كلها شعارات يمارس المحتل أبشعها عندما يتدخل في هذا البلد أو ذاك، ولنا في يومنا هذا خير الأدلة على ذلك، وهي تصرفات جنود الجيش الأمريكي مع أبناء الشعب العراقي، حيث صبوا جام حدقهم على معتقلي سجن أبو غريب.