منعت المصاريف المتعددة لشهر سبتمبر الداخل الأولياء من اقتناء ملابس عيد الأضحى المبارك، بسبب كثرتها، حيث جعلت الفرد يعجز عن تحقيق التوازن بينها، وفي سابقة، ازداد عدد العائلات التي حجبت وامتنعت عن اقتناء ملابس العيد بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها البلد، والتي انعكست بشكل واضح على القدرة الشرائية للمواطن البسيط الذي شهد في غضون سنة واحدة انخفاضا في قيمة الدينار الجزائري وارتفاعا جنونيا في أسعار السلع الاستهلاكية وكذا الخدمات.. في جولة استطلاعية قادت "المساء" إلى بعض المحلات المختصة ببيع ملابس العيد للأطفال، التمسنا واقعا تعيشه الأسر الجزائرية متواضعة الدخل خلال هذه الأيام، ففي سنوات خلت، كانت تشهد هذه الأيام حركة دؤوبة للمواطنين بين محلات بيع الملابس الجاهزة، خيث كانت العائلات تقتني "زي" عيد الأضحى المبارك، مثلما كان عليه الحال خلال عيد الفطر، إلا أن هذه السنة يبدو أن العديدين على محك "التقشف" الذي أثر عليهم بشكل واضح ودفعهم إلى الامتناع عن اقتناء ما باتوا يرونه "كماليا" يمكن الاستغناء عنه ظرفيا في حيطة من عدم الوقوع في فخ "الحاجة" بعد شهر سبتمبر، بسبب المصاريف التي "لا تنتهي". يتزامن هذه السنة أيضا الدخول المدرسي مع عيد الأضحى المبارك، الأمر الذي سيجعل الأولياء يشدون رأسهم وجعا من المصاريف التي تنقسم بين أدوات مدرسية، أضحية العيد وكذا ملابس العيد، حسب تصريحاتهم لنا. واقع لا يشعر بحدته إلا أولياء لهم أطفال صغار وهم أصحاب الدخل الضعيف، الذين يستبقون الحدث بالتفكير في توليفة مثالية لتقسيم ميزانيتهم المحتشمة بين مختلف "ضروريات الحياة"، الأمر الذي دفع بالبعض إلى اقتناء أدوات مدرسية قبل حلول الوقت، في حين فضل البعض الآخر اقتناء أضحية العيد قبل أسابيع تحسبا للارتفاع المفاجئ للأضاحي خلال الأيام القليلة التي تسبق عيد الأضحى المبارك. تعيش هذه الأيام الأسواق الجزائرية على وقع خطوات "سريعة" لاقتناء مستلزمات الدخول الاجتماعي، حيث تميزت هذه المرة أسواق العاصمة بدخول مستلزمات الدراسة في وقت يراه الكثيرون بالمبكر جدا، لعل السبب في نظر البعض، أنه حل لتقسيم المصاريف بين مختلف الشهريات لعدم الشعور بحدة تلك المصاريف. سياسات جديدة انتهجتها الأسر هذا الموسم، على خلاف السنوات الماضية، ليس بالبعيد عن السنة الماضية، حيث اعتاد العديد من المواطنين على اقتناء كل المستلزمات بين ملابس عيد الأضحى للأطفال وأضحية العيد وكذا مستلزمات الدخول المدرسي، إلا أن هذه السنة يبدو أن الأولياء عادت لهم حكمة التخلي عن بعض "الكماليات" تماشيا مع الظروف الصعبة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيش وقعها العائلات الجزائرية. اقتربنا من السيد مولود، رب عائلة مكونة من 5 أفراد، أطفاله لا يزالون في الطور الابتدائي، أشار إلى أن الأزمة المالية وضيق المصاريف الذي تعيشه العائلات هو نتيجة لتصرفاتهم غير الرشيدة، فما من ضغط يجبرهم على اتخاذ نفس "الروتين" كل سنة باقتناء ملابس العيد، أو بشراء أضحية كبيرة للتباهي بها، أو اللهث وراء تلك الأدوات المدرسية الشبيهة بألعاب للأطفال والتي سعرها مرتفع، وإنما لابد من معرفة السبل المثالية لتوفير ما تحتاجه العائلة لتخصص ميزانية صغيرة لتلك الكمالية، ولما لا الاكتفاء بالضروريات، مشيرا إلى أن هذه الذهنية نتبناها أبا عن جد، هذا ما جعل العديد من الأولياء يفتقدون معنى "أولويات الحياة" التي لابد أن تغرس لدى أطفالنا، فإشباع النفس غاية لا تدرك، لابد من تعليم الطفل أن التعايش مع الأزمات المالية واقع لابد من تعلمه، فمحاولة تعويد الطفل على الرفاهية والحياة السهلة خطأ يرتكبه الأب في حق شخصية ومبادئ أبنائه. من جهتها، أشارت جميلة أم لتوأمين، إلى أنها تخلت هذه السنة عن عادة اقتناء ملابس العيد للأطفال، وستكتفي بمساعدة زوجها في اقتناء أضحية في المستوى، إلى جانب تخصيص ميزانية جيدة لتوفير مستلزمات الدخول المدرسي، وعن تخليها عن ملابس العيد قالت المتحدثة: "كان من اللازم التخلي عن بعض المصاريف، إلى جانب أنها احتسبت الأمر خلال عيد الفطر المبارك، حيث ستكتفي بإعادة إلباس نفس الملابس التي اقتنتها في تلك المناسبة لأطفالها. وعلى صعيد آخر، أبدى مصطفى، رب عائلة، قناعته بضرورة اقتناء ملابس العيد لأطفاله حتى إن سبب له ذلك ضيقا ماليا، مشيرا إلى أن تلك العادة لا يمكن التخلي عنها ، لأن الطفل الصغير لا يمكنه تفهم معنى الأزمات المالية وذلك قادر على التأثير على نفسيته، خصوصا إذا كان من الأطفال القلائل الذين لم يقتنوا ملابس جديدة خلال العيد. انتقلنا إلى عدد من المحلات بالعاصمة، مختصة في بيع ملابس الأطفال، حيث لم تشد انتباهنا أية حركة مثيرة للاهتمام، وبدت أغلبية المحلات فارغة، اقتربنا من التاجر سفيان الذي أكد لنا أن المحلات تعيش هذه الأيام نوعا من الركود، بسبب عدم إقبال المواطنين على اقتناء ملابس العيد، إلى عدد محدود بين الفينة والأخرى، وأكد أن ارتفاع سعر الملابس بالنظر لانخفاض قيمة الدينار مقابل اليورو أثر بشكل واضح على تجارة ملابس العيد خلال الدخول الاجتماعي الموافق لعيد الأضحى المبارك. من جهته، أكد عمر أن محله تحسب لهذا الواقع، فبعد دراسة السوق امتنع القائمون على المحل اقتناء سلع كثيرة لعيد الأضحى والدخول الاجتماعي وإنما اكتفوا بالتشكيلة الحاضرة، في انتظار عرض منتجات موسم الشتاء، تخوفا من عجز البيع وتكدس البضاعة دون بيعها قبل دخول موسم البرد. في هذا الخصوص، دعا السيد مصطفى زبدي، رئيس الفيدرالية الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، العائلات الجزائرية إلى ترشيد نفقاتها الاستهلاكية لاسيما بالنسبة لمحدودي الدخل من خلال انتهاج سياسة حكيمة في اقتناء مستلزمات هذا الموسم من أضحية العيد وأدوات مدرسية وكذا ملابس الدخول الاجتماعي التي يراها البعض من الأولويات التي لا يمكن التخلي عنها، وقال في هذا الشأن، إنه لا مجال للتقشف لدى بعض العائلات التي لا ترغب في التخلي عن عاداتها، رغم الضيق المالي الذي يمكن أن تواجهه. كما حث العائلات الجزائرية على ضرورة التنازل عن بعض الكماليات والتركيز أكثر على الدخول المدرسي في سبيل التحصيل العلمي الجيد للأطفال كونها أكثر من ضرورية، في حين اعتبر أضحية العيد ليست بالأمر المشروط باعتبارها لمن استطاع إليها سبيلا.