أكد الدكتور عيسى مراح، أستاذ بكلية الإعلام والاتصال بجامعة بجاية أن إنقاذ الصحافة المكتوبة من الهزات التي تعصف بها في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع الإشهار الذي يبقى الممول الرئيسي لها، يستدعي توفر الاستثمار والاستشراف في الميدان، خاصة بالنسبة للوزارة الوصية والناشرين الكبار، مشيرا إلى أن الصحافة المكتوبة قادرة على الخروج من أزمتها إذا استطاعت إيجاد أساليب جديدة في الطرح والتنوع والإبداع لإقناع القارئ والحفاظ على موقعها في الساحة الإعلامية. ويرى الأستاذ مراح في حديث ل«المساء» أن وعي وزارة الاتصال بخطورة وضعية الصحافة في الظرف الحالي، يستدعي الإسراع في مرافقة المؤسسات الإعلامية «بالعمل معا كزملاء وليس بممارسة الوصاية»، مضيفا أن الناشرين بدورهم مطالبون بتنويع خدماتهم والاستثمار الأفقي في نشاطات مرتبطة بالإعلام من وسائط سمعية بصرية، وكالات إنتاج وتوزيع، فضلا عن الاستثمار في المورد البشري من خلال التكوين المستمر. وأضاف محدثنا أن التنبؤ بزوال الصحافة المكتوبة بعد اختفاء عدد كبير من العناوين يعد أمرا غير مؤكد، لأن الزوال يحدده حسبه فاعلان أساسيان في سلسلة المهنة، وهما القارئ والمعلن، مبرزا مزايا الإشهار في النسخ المطبوعة بالنسبة للمعلنين، والمعزز بوجود قوانين سارية المفعول تفرض الإشهار في الصحافة المطبوعة، «وهو يؤكد استمرار تواجد الصحافة المكتوبة التي ستخرج من أزماتها، بما هو متاح لها من وسائل النجاح كالإبداع والتجديد في الكتابة والأجناس الصحفية والطرح الراقي للمواضيع». وفي معرض حديثه عن العناوين الصحفية التي اختفت عن الساحة، قال المختص في الإعلام إنه «قبل التحسر على هذه العناوين، يجب الاعتراف بأن أغلبها غير معروفة لدى القراء أصلا ولا تمثل إلا عالة على المشهد الإعلامي، كونها لا توظف صحفيين ولا توفر أبجدية العمل الميداني وتلجأ إلى الاقتباس الكلي من المواقع الإلكترونية، ما يعني أن عدد منها لم يكن يخدم الساحة الإعلامية ولا حتى الصحفيين المبتدئين الذين كانت تشغلهم والذين ظلوا يتمرسون على الخطأ بسبب غياب التكوين والمرافقة». ورغم ذلك، يرى محدثنا أن وتيرة اختفاء مجموعة من العناوين، تبقى تثير القلق في أكثر من مستوى، باعتبار أن المشكل الأكبر يكمن في استمرارية واشتداد الأزمة، خاصة في تفاقم ديون الطبع ومشاكل دفع الأجور والخدمات، «ليبقى الخاسر الأكبر أمام هذه الوضعية المواطن الذي يفقد حقه في إعلام متنوع». الصحافة مطالبة بالاستثمار والتكوين للوصول الى الاحترافية واعتبر الدكتور مراح أن الصحافة الوطنية اليوم مطالبة بتقييم مسارها بطرح نقاط الضعف والقوة وبالاستفادة من تجارب الإصلاح المتعارف عليها، وذلك من منطلق أن «المشكل لا يتوقف فقط في ثنائية المقروئية والسحب، بل يتعدى ذلك إلى التمويل والدعم، فضلا عن عوامل أخرى لا تقل أهمية كالتكوين والمهنية والاهتمام بعيوب أخرى لا يتجرأ الناشرون الصغار على طرحها وفي مقدمتها حجم استثمارهم للأرباح في القطاع رغم دعم الدولة وحصولهم على إشهار من معلنين كبار». كما يرى محدثنا أن النهوض بقطاع الصحافة المكتوبة يتوقف على توفر إرادة حقيقية وجريئة لهيئات الضبط المزمع تنصيبها، مشيرا إلى أن استمرار البيروقراطية والذهنيات السلبية في التعامل مع قطاع الإعلام، لا يخدم المشهد الإعلامي الجزائري، الذي يبقى حسبه بحاجة إلى مرافقة الهيئات الوصية للناشرين والعمل على تطهير القطاع لتحقيق الاحترافية.