تلقى الجزائريون بصفة عامة خبر تنحي - استقالة كانت أم إقالة- عمار سعداني من رئاسة حزب جبهة التحرير الوطني، بنوع من الارتياح، و لوحظ ذلك حتى في أوساط الأفلان الذي كان سيمر بفترة توترات جديدة لا يريدها الرئيس لأنها لا تبشر بتهدئة. الزوابع التي أثارها عمار سعداني في المحيط السياسي مست تبعاتها الرئيس بوتفليقة نفسه لأن أكثرها - مثل اتهام المعارضين بالحركى و الخونة- كان يورط الرئيس بطريقة أو بأخرى. إطلاق عمار سعداني العنان للبذاءة في التعيير و السماجة في التعبير جعل الطبقة السياسية تنفض من حول الرئيس و كان هذا كافيا للتعجيل بقائد لحزب جبهة التحرير الوطني سواه. خطاب الخامس من شهر أكتوبر كان انتحارا سياسيا لسعداني لأنه يومها تجاوز كل الخطوط السياسية و الأعراف و الأخلاق و أعطى الانطباع للجميع أن الخطان السياسي تدلى إلى درجة أن أصبح سلوكا مافياويا كما مس مساسا مشينا بالرئيس. قامت على سعداني القيامة و ارتفعت الأصوات حتى من داخل حز لتنحيته و استجاب الرئيس فعلا لمطالب تكاد تكون إجماعا ضد الأمين العام للأفلان. لقد كان من آثار عمار سعداني أن لوث الأجواء السياسية بتهجمه على الخاص و العام معطيا الانطباع أنه مفوض بمهمة من طرف الرئيس و أنه له حماية و دعم لا يخشى من خلالهما أحدا. و الأمر لم يكن على هذا المنطق الساذج و الدليل عليه أن انتقاده مثلا لرئيسة حزب العمال السيدة لويزة حنون باللفظ الهجين و العبارة السمجة لم يلق تأييدا من المحيط الرئاسي نفسه الذي عبر من خلال مقربي الرئيس بوتفليقة عن استهجانه الأمر. استقالة أو إقالة عمار سعداني من رئاسة حزب جبهة التحرير الوطني لم يعط لها التفسير المأخوذ من ملابساته و السياق الذي حصل فيه، فالرحيل – أو الترحيل - حصل في ظرف تهدئة سياسية عامة لاحظها الجميع و لاحت في عدة محاور كاليد الممدودة إلى الإعلاميين و تبادل ألفاظ الاحترام مع بعض أقطاب المعارضة و غير ذلك، لذا كان تنحي سعداني بمنزلة حدث يؤسس لمصالحة سياسية يريدها الرئيس في الظرف الراهن و الأيام المقبلة كفيلة بأن تؤكد هذا المنحى أو تكذبه.