عادت دفاتر "الكريدي" بقوة هذه الأيام إلى المحلات التجارية بعدما غابت عنها لسنوات عديدة، ففقدان الدينار قيمته والارتفاع غير المسبوق في أسعار الخضر والفواكه تسببا في انهيار القدرة الشرائية للمواطنين وأدخلهم في دوامة من الحسابات، دفعت بالبعض منهم إلى العودة إلى القرض "الكريدي" لتأمين حاجياتهم الغذائية والمواد الأساسية. وجد المواطن البسيط نفسه أمام جحيم الأسعار المستعرة والمتأججة نيرانها هذه الأيام، فمن الزيادات غير المسبوقة في أسعار الخضر والفواكه، إلى لهيب أثمان المواد الغذائية العامة. فحتى بعض المواد المسقف سعرها رفع التجار ثمنها تلقائيا، ليصل ثمن الكيس من الحليب 50 دج، والكيلوغرام من السميد 70 دج. وهو نفس ثمن الفرينة. أما بالنسبة إلى الحبوب الجافة، فحدث ولا حرج. فقد بلغ ثمن الكيلوغرام من الحمص 360 دج. وأمام هذا الغلاء وجد المواطن نفسه عاجزا عن تغطية احتياجات ومستلزمات أسرته. فالمرتب الزهيد الذي يحصل عليه لا يكفي لتغطية مستلزمات الأسبوعين الأولين من الشهر، لذا كان لابد عليه من العودة إلى "الكريدي". وهو ما أكده لنا الكثير من التجار الذين تحدثنا إليهم، يقول صاحب محل للمواد الغذائية في حسين داي: "هذه الدفاتر غابت عن محلاتنا لأكثر من 5 سنوات مضت، فكان من النادر جدا أن يأتي زبون إليك ويطلب منك "تماركي كريدي" وكان يقتصر فقط على بعض المناسبات الدينية مثل عيد الفطر لشراء لوازم الحلويات، أما الآن فالأمر اختلف كثيرا فمنذ دخول السنة الحالية وزبائن "الكريدي" يزدادون يوما بعد يوم، حتى بعض الزبائن ممن يعمل اثنان منهم وثلاثة في العائلة يكملون الشهر بالدين، أما المتقاعدون فحدث ولا حرج.. انظري هذا الدفتر جديد.. جلبته منذ 12 يوما.. لقد امتلأت نصف صفحاته". انتهزنا الفرصة فرحنا نتفحص الدفتر "كارني الكريدي" في أعلى الصفحة اسم الزبون ومن الأسفل قائمة المشتريات: سميد، زيت سكر، مقرونة، حليب أطفال، حفاظات أطفال، لوبياء، عدس.. بالرغم من ارتفاع درجات الحرارة، بيض، قهوة، صابون ملابس، صابون أوان… وغيرها من المواد الغذائية الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ومجموع ديون تتراوح ما بين 530 دج إلى 4980 دج، خصوصا بالنسبة إلى من يملكون أطفالا صغارا.. فقد كانت حفاظاتهم وطعامهم وحليبهم تتصدر القائمة. وعندما وجدنا علبا من الزبادي وكذا "الكومبوت"، أكد لنا محدثنا أنها ليست مخصصة ل"التقلاش"، كما اعتقدنا، بل هي لعائلات لديهم أطفال صغار ورضع، كما لاحظنا تكرر أسماء بعض الزبائن وهو ما جعل صاحب المحل يتدخل ليوضح لنا أن البعض منهم لم يتلق مرتبه الشهري، لذا يعود ليأخذ بالدين. أما بالنسبة إلى المتقاعدين، فيقول صاحب المحل: وضعهم أكثر سوءا، فمرات يأتي شيخ من مركز البريد مباشرة حاملا مرتبه الذي لا يتجاوز 18 ألف دينار ليسدد دينه، وبعد أسبوع بالتحديد يعود إلى "كارني الكريدي". وفي السياق، حذر رئيس الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك، زكي حريز، من عودة ظاهرة القرض إلى المحلات التجارية ووصفها بغير الصحية، مرجعا الأمر بنسبة 80 بالمائة إلى غلاء المعيشة و20 بالمائة إلى عدم التحكم في ميزانية الأسرة. فضعف القدرة الشرائية جعل المواطن يستدين حتى يلبي احتياجاته بعدما عجز عن تغطية كافة المصاريف. وطالب حريز الدولة بتوفير الحد الأدنى للمواطن بعدما أصبح مرتب 20 و30 ألف دينار لا يكفي لمدة 15 يوما، ولا يغطي الجهد المبذول ولا يوفر له حتى الطعام الجيد كي يسترجع الطاقات التي أهدرها في يومه. كما اقترح حريز على المواطنين العمل على تحسين مرتباتهم الشهرية ووضعيتهم الاجتماعية والسعي للانتقال من مستوى معيشي إلى آخر بإيجاد مصادر دخل إضافية.