سفير دولة فلسطين يثمن "الدور الريادي" للجزائر في مجلس الأمن    رئيسة السلطة العليا للشفافية و الوقاية من الفساد و مكافحته تكشف: إحالة 14 ملف فساد على الجهات القضائية منذ أكتوبر الفارط    الفريق أول شنقريحة خلال استقباله رئيس اللجنة العسكرية للناتو: الجزائر حريصة على قرارها السيّد و سيادتها الكاملة    رئيس المجلس الشعبي الوطني في زيارة رسمية إلى سلطنة عمان    بلعابد يجدد التزام القطاع بالمرجعية الدينية الوطنية: إعادة النظر في البرامج التربوية بلغ مراحل جد متقدمة    العداء الفلسطيني محمد دويدار للنصر: نتدرب في أحسن الظروف في الجزائر والاتحادية لم تبخل بشيء    رئيس الفاف بعث لها برسالة تهنئة: بلايلي يعتذر من الحكمة غادة محاط    تخوض اليوم نهائيين بمرحلة الدوحة من كأس العالم: الجمبازية نمور تحرز ذهبية جهاز العمودين غير المتوازيين    بطولة الرابطة المحترفة: السنافر يتمسّكون بالوصافة    كأس العالم للملاكمة/دورة كولورادو: تأهل الجزائرية إيمان خليف إلى الدور النهائي    كشف المخططات التخريبية لحركة "رشاد" الإرهابية وعلاقاتها مع تنظيمات دولية ومخابرات أجنبية    وزير الاتصال محمد لعقاب يؤكد من وهران: الرئيس أوصى بتزويد الصحافة بالإمكانيات اللازمة    الفنانة هاجر سراوي للنصر: "دموع لولية" لفت الأنظار إلى موهبتي    المرحلة التجريبية ستتم في 6 ولايات: إطلاق بطاقة الشفاء الافتراضية الموجهة للطلبة الجامعيين    حج 2024 : استئناف اليوم السبت بالنسبة لمطار أدرار عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج و العمرة    اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية : محافظ بنك الجزائر يرافع من أجل دعم الدول ذات الدخل الضعيف وتخفيف ديونها    وزير السكن والعمران والمدينة يكشف: رقمنة صيغة السكن الاجتماعي في طور الدراسة    تسليم أزيد من 100 رخصة استغلال مختلفة النشاطات : تسهيلات لمستثمرين ستمكن من خلق 3352 منصب شغل بقسنطينة    عطاف يحذر من مخططات للقضاء على مقومات الدولة الفلسطينية: غزة أماطت اللثام بِصمودها عن مآرب المحتل الصهيوني    لتخفيف العجز عن خطوط بين الولايات: تعويض الناقلين المتخلين عن النشاط بقالمة    سكيكدة: منح شاحنتين ضاغطتين لبلديتي بكوش لخضر وجندل سعدي    حسب رئيس دائرة سيدي عيسى بالمسيلة: توزيع حصة 750 سكنا قبل نهاية السنة    استشهاد عدد من الفلسطينيين إثر قصف الاحتلال الصهيوني مناطق متفرقة في قطاع غزة    استشهاد وإصابة فلسطينيين في اعتداء قوات الاحتلال الصهيوني على مخيم نور شمس بالضفة الغربية    بعدما دهنت باللون الأبيض: إزالة الطلاء عن الأحجار الأثرية بموقع "الأقواس الرومانية"    الاحتلال يواصل حرب الإبادة الجماعية بغزة: 520 شهيدا وجريحا و13 ألف سكن مدمر خلال أسبوع    انطلاق حصاد القمح اللين شرق الولاية: توقع جمع 650 ألف قنطار من الحبوب ببسكرة    شركتا شيري و جيلي توفران قطع الغيار لزبائنها    الوجه الخفي لحركة رشاد..    اللقاء النهائي يوم 4 ماي القادم    استهتار أمريكي- إسرائيلي بالإرادة الدولية    الفيتو الأمريكي يجهض منح فلسطين العضوية الأممية    إحباط إدخال 109 كلغ من الكيف عبر الحدود مع المغرب    الإيطاليون ينتقدون بن ناصر وإنجلترا وجهته المحتملة    الرئيس تبون يولي أهمية قصوى للتكفل بالمرضى    العلاج المجانيّ يصل إلى مناطق البدو الرحّل    ندوة فكرية بالمركز الجامعي    تسويق 12 طنا من المنتجات الصيدية خلال رمضان    199 ألف فلاّح استفادوا من "قرض الرفيق"    ربط بيني لقطاع التجارة مع مختلف الهيئات والقطاعات    استرجاع 30 رأسا من الماشية المسروقة    القبض على قاتل بسيق    مشكلة المصطلح في لغتنا مرتبطة بضعف إنتاجنا العلميّ    أحسن مشروع لربط البناء التقليدي بالوسائل العصرية    حجز 26.5 كلغ "كيف" و1440 قرص مهلوس    6 قضايا إرهاب في جدول الدورة الجنائية    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    هذا موعد عيد الأضحى    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث العيد
نشر في أخبار اليوم يوم 18 - 06 - 2018


الشيخ : علي الطنطاوي
أرأيتم الجيش يوم العرض؟ حيثُ يَمرُّ الجنود متتابعين متشابِهين مشيتُهم واحدة ولبستُهم واحدة لا يَمتاز فرْدٌ منهم عن فرْد ثُمَّ يأتِي ضابطٌ أو رئيس يَختال في مشيته ويُزْهي بأوْسِمَته فينتبه النَّاس إليه وتنصب الأنظار عليه؟
كذلك الأيام يا إخوان إنَّها تَمُرُّ متتابعة متشابِهة لا يكادُ يَختلِف يوم منها عن يوم ثُمَّ يأتي العيدُ فتراه يومًا ليس كالأيام وترى نهاره أجمل وتحس المتعة به أطول وتبصر شمسَه أضوَأ وتَجِدُ ليلَه أهنأ وما اختلفتْ في الحقيقة الأيَّام في ذاتِها ولكن اختلف نظَرُنا إليْها نسينا في العيد متاعِبَنا فاستَرَحْنا وأبعدنا عنَّا آلامَنا فهنِئْنا وابتسمْنا للنَّاس وللحياة فابتسمتْ لنا الحياة والنَّاس وقُلْنا لِمن نلقى أطيب القول: كلَّ عام وأنتم بخير فقال لنا أطيب القول: كل عام وأنتم بخير
ويوم العيد هو اليوم الذي ننسى فيه المال ساعات معدودات لنُفَتِّش عن الجمال فلذلك كان هذا اليوم عيدين ولو فعلنا ذلك كل يوم لكانت أيامُنا كلُّها أعيادًا.
والأعياد إمَّا أن تكون أعيادًا للدين لذكريات دينية تتصل بالعقيدة وتنبثق عن الإيمان وتكون ذكرًا وعبادة يتوجَّه فيه الناس إلى ربِّهم ويُقيمون شعائرهم في معابدهم ويتبعون فيه أوضاعًا وأحوالاً أمرهم بها دينهم أو حسبوا أنه أمرهم بها وأكثر أعياد الناس أو كلها إنَّما كانت من الأعياد الدينية سواء في ذلك الأمة التي تدين دين الحق والأمم التي تدين أديان الباطل.
وإما أن تكون أعيادًا وطنيَّة ذكريات أحداث جسام كان لها في حياة الأمة أثر أو معارك مظفرة أو أعمال لهذه الأمة باهرة كأعياد الاستِقْلال وأعياد إقامة الدول.
وأعياد للفن والرياضة يحتشد لها الناس ويتبارى فيها أرباب اللُّسُن والفصاحة وأصحاب القوَّة والبراعة. وربَّما صحب ذلك بيع وشراء وربح وتجارة كأعياد الأولمبياد عند اليونان وسوق عكاظ عند العرب.
وأعياد رجال عظام يجتمع الناس لحياء ذكراهم وتلاوة سِيَرِهم وزيارة بقاياهم وآثارهم ولكلِّ أمَّة من ذلك أيَّام غر مشهرات.
إنَّ لنا في الإسلام عيدَيْنِ لا ثالثَ لَهما وإن لم يكن ما يَمنع من الاحتفال بذكريات الهدى والمجد احتِفالاً من البدع والمحرمات ومن تلاوة هذه الأكاذيب التي اشتملت عليها الموالد وبيوم الهجرة وبيوم بدر على أن لا تعد أعيادًا دينيًّا لأنَّ الدين لم يشرع لنا إلا هذين العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى هذا احتفال ببداية نزول القرآن وإكمال الصيام وذاك احتفاء باختتام الوحي وإتمام الدين.
وأعيادنا لله أوَّلاً لأنها أعياد عبادة وتبتُّل وتوجُّه إلى الله بالشكر والحمد والطلب والرجاء.
وهي للوطن (ووطن المسلم كلُّ أرض تعلو فيها كلمة الله وتحكم شريعته) لأنَّها ذكرى أعظم حادث في تاريخ البشرية كلِّها: نزول القرآن في ليلة القدر من رمضان وتَمامه في حجَّة الوداع من ذي الحجة وإذا كانت الأمم تحتفل بيوم الدستور وتجعله عيدًا فإن يوم نزول التشريع الإلهي الذي أنشأ حضارة تفيَّأت ظلالها الأمم كلها حقيقٌ أن يكون عيدًا إنسانيًّا يَحتفل به كل من استفاد من حضارة القرآن.
وهي من أعياد الرجال لأنَّها ذِكْرَى أعظم رجل مسَّت قدمه ظهر هذه الكرة: محمد صلى الله عليه وسلم.
مُحمَّد الذي جاء بالصيام ليعلِّم الأغنياء بذا الجوع الاختياري أنَّ في الدنيا من يجوع جوعًا اضطِراريًّا ولولا هذا الصيام ما كان يتصوَّر الأغنياء كيف يكون الجوع الذي قرَّر المساواة في رمضان حتَّى صار الغني الذي يَملك الملايين يشتهي كسرة الخبز وقطرة الماء كما يشتهيها الفقير المسكين.
والذي قرَّر المساواة مرَّة ثانية حين جعل من له من كنوز الأموال يقف مع السائل الذي لا يجد عشاء ليلة وهو يلبس لباسًا مثل لباسه ويقف من عرفة موقفًا مثل موقفه وينام على الأرض في المزدلفة مثل منامه ويرمي الجمار في منى وسط الزحمة مثل رميه وهنالك في ذا الموقف الأكبر الذي لا تعرف البشرية في كل عصورها نظيرًا له وقف محمد صلى الله عليه وسلم يقرر الحرية الشخصية وحريَّة الرأي وحريَّة المسكن ويعلن المساواة بين الناس فلا امتياز لجنس على جنس ولا لون على لون ولا أسرة على أسرة كما يمتاز الناس في أميركا في القرن العشرين وفي جنوب إفريقية وإنَّما يتفاضلون بالمزايا الشخصية: بالإيمان والعلم والتقى والأخلاق.
لقد قرَّر ذلك في خطبته التَّاريخية الخالدة في حجة الوداع قبل أن تعلنه إنجلترا وقبل الثورة الفرنسية وقبل مبادئ ويلسون وقبل ميثاق الأطلنطي الذي كتبوه على الماء - بأكثر من ألف سنة!
أعلنه إعلانًا حقيقيًّا تؤيِّدُه وقائعُ الحياة الإسلامية وأوضاع المجتمع الإسلامي لا الإعلان الغربي الذي تكذبه شواهدُ الواقع ومظاهر الحياة في ديار الغرب!
وهي أعيادُ بطولة ورياضة وما الحياةُ الرياضيَّة إلا حياة الصَّبر والاحتِمال وألا يَزْدَهِي صاحبُها بالنصر ولا تَهدُّه الهزيمة وأن يَستشْعِر الأخوة الرياضية لشركائه في هذا الكفاح وكل ذلك يتحقَّق على أتَمِّه وأكمله في صيام رمضان وفي شعائر الحج.
وهي أعيادُ فرحة ومسرَّة ولهو شريف ومتاع حلال والإسلام ليس دين تزمُّت ولا يُحارب طبيعة النفوس التي طَبَعَ الله النَّاسَ عليها ولا يُنافِي الفِطْرَة ولكنَّه يَمنَعُ ما فيه الضُّر هذه هي المحرَّمات فكلُّ لَهّ و لا مُحرَّم فيه مطلوب شرعًا إن كان باعتدال وقصد وإلى الحد الذي يقوي النفس على الخير ويُنشطها للقيام بما يُحب.
بقيت عليَّ كلِمة واحدة هي أنَّ حكمةَ رمضان لا تتمُّ في عيد الفطر إلا إذا شاركتُم الفُقَراءَ في الأَكْلِ والشُّرب كما شاركْتُموهم في الجُوع والعطش وكنتُم معهم في لذَّة الوجدان كما كنتم معهم في لوعة الحرمان وأن لا تَملئوا أيديَ أولادكم باللعب والسكاكر وفي بناء جيرانِكم أولاد مثلهم ينظرون إليهم وأيديهم خالية وأن تعلموا أنَّ مِمَّا رمَيْتُموه زهدًا به من ثياب أولادكم ما يكون ثوب العيد وفرحة العمر لهؤلاء الأولاد وأنَّ كلَّ غنيّ يَجِدُ من هو أغنى منه وكل فقير يلقَى من هو أفقر منه والمسائل نسبية والعصفور نَملةٌ إن قيس بالفيل ولكنَّه فيل إن قِيسَ بالنملة فأعطِ مَن هو أفقَرُ منك عشر ليرات هي عنده مائة ليرة وعندك ليرة يبعث لك مَنْ يُعْطِيك خَمسة آلاف وهي لك خَمسون ألفًا وهي عنده عشر ليرات..
وإذا فرَّحت أخاك بعطيتك فرَّحك الله بعطية من عنده لا تحتسبها ولا ترتقبها وثواب الآخرة أكبر. فاختاروا -يا أيها القرَّاء- مما يفضُل من ثيابكم وما يزيد من اللعب والسكاكر والحلويات عن أولادكم فأرسلوه إلى أولاد الجيران الفقراء دعوهم يعيشوا يومًا واحدًا من السنة كما تعيشون أنتم كل يوم ولا تعطوا عطاء الكبر والترفُّع إعطاء الصدقة بل إعطاء الصَّداقة وربَّ بسمة في وجه السائل أو شدَّة على يده أحبُّ إليْهِ من المال الذي تضَعُه في كفِّه لأنَّ المال يُحْيِي جسدَه وحده والمال مع الابتسامة يحيي جسده وروحه.
وحينما تخرجون من بيوتكم فتجدون هؤلاء الأطفال الصغار الذين كسوتموهم وأعطيتموهم الحلويات واللعب ينظرون إليكم بعيون تبرقُ بالشُّكر والحب ويبسِمون لكم بأفواه تشرق بالسعادة والفرح وتسمعون أمَّهاتِهم يتمنَّين لكم طول العمر ولأولادكم كمالَ النعم حينئذ تعلمون أنَّ أعظم لذَّة في الدنيا هي لذَّة الإحسان.
أليس هذا خيرًا من أن تَجِدُوا في عيونِهم نظرات الحسد وعلى ألسنتهم دعوات الموت والخراب؟
وهنيئًا لكم بعدُ قبول صيامكم وهنيئًا لكم أفراح عيدكم وكل عام أنتم بخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.