عميرة أيسر* لا ينكر أحد بأن للحضارة الغربية الكثير من الإشعاعات الثقافية والفكرية والمنتجات المادية والعلمية والتكنولوجية والقوانين الدولية التي رسخت للكثير من القيم العالمية في الدفاع عن حقوق الإنسان وتكريس الحريات الفردية فالغرب هو من قاد حركة النهضة العالمية العلمية في القرن15-16-17-18 وأسس لمنظومة دولية متكاملة للنهوض بالبشرية في جميع ميادين ومنحا الحياة بعدما استطاع تطويع النصوص الدينية الكنسية الجامدة لصالح السّلطة الزمنية الجغرافية وكانت الثورة الفرنسية سنة 1789م أهم المرتكزات التي اعتمد عليها الغرب للتخلص من حكم السلطة الإقطاعية البارونية وذلك عندما تم إعدام الملك الفرنسي لويس السَّادس عشر في شهر جانفي سنة 1793م وبالتالي استطاع المواطن الأوروبي أن يؤكد على فاعليته المؤثرة في عملية التغيير السِّياسي ودوره المحوري في بناء الحضارة الأوروبية الغربية التي انتقلت مراكز التأثير والقيادة فيها من أوروبا إلى أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. فهذا الغرب الذي قدم للبشرية وشعوبها الكثير من المنجزات الحضارية التي كان تحقيقها مجرد حلم في القرون الوسطى واستطاع بفضل علمائه ومفكريه في كافة مجالات ومناحي الحياة أن يؤسس لنظام عالمي جديد يقوم على محورية الحضارة الغربية باعتبارها أنموذجاً عالمياً يعد مرجعاً في كيفية النهوض والتطور الثقافي والحضاري والتكنولوجي. فالحضارة الغربية بالرغم من غناها الحضاري المادي ولكنها تعاني من فراغ قيمي وروحي رهيب وتغلب المصلحة الفردية على أو الشخصية على القيم والمبادئ الحضارية والأخلاقية التي يتغنى بها الغرب فهذا الغرب كما يتهمه الكثير من المفكرين الغربيين والمشارقة وعلى رأسهم الدكتور طارق رمضان وروجي غارودي ونعوم تشومسكي وغيرهم وتعاني من تناقض قيمي وفكري وأيديولوجي رهيب بين الرؤى النظرية وتطبيقاتها الفعلية بالمجمل وذلك منذ عهد الاستعمار الغربي للكثير من المناطق وما ارتكبه من جرائم إنسانية يندى لها جبين الإنسانية جمعاء. بالإضافة إلى أنه لا يطبِّق القوانين الدولية الخاصة بالدفاع عن حقوق الإنسان التي ابتدعها وخاصة اتفاقيات جنيف الخاصة بأسرى الحروب. و خاصة من طرف دول كبرى ترفض أفكار الغرب وحضارته كالصين أو روسيا القيصرية أو كوريا الشمالية أو غيرها من الدول والكيانات السِّياسية والمنظومات التفاعلية الثقافية التي ترى بأن الغرب يهدد ثقافتها وحضارتها الشرقية التي هي أقدم من الحضارة الغربية بآلاف السنين فالسكوت الغربي عن الجرائم الإنسانية التي ترتكبها قائدة قاطرته السِّياسية والأمنية والثقافية والاقتصادية حالياً ونقصد بها الولاياتالمتحدةالأمريكية وخاصة عند قيامها باحتلال العراق سنة 2003م وما جرى من انتهاكات إنسانية مروعة في سجن أبو غريب الذي كان يضم حوالي 50 ألف ومعتقل بين نساء ورجال وكانت الجنرال جايسن كاربنسكي التي تولت إدارته في شهر يونيو/ جزيران 2003م وكانت بالتالي مسئولة عن إدارة 3 سجون كبرى في بلاد الرافدين و8 كتائب و3400 جندي أمريكي كانوا كلهم يجهلون كيفية معاملة السجناء وما جرى داخلها من انتهاكات كانت صادمة للعالم أجمع وبدل أن يحاكم ويسجن من قاموا بها تمَّ عزلهم أو تغيير مناصبهم وخاصة الاختصاصي تشالز- أي غارنر- الذي كان أهم المشرفين على عمليات التعذيب هناك بالإضافة إلى وجود 5 جنود آخرين أثبتت التحقيقات تورطهم المباشر في عمليات التعذيب فتلك القضية الإنسانية الخطيرة التي تمَّ طي ملفها تضاف إلى المئات من الجرائم الأمريكية والإسرائيلية والتي كان أفضعها ربما ما حدث في معتقل خليج غوانتانامو الذي يقع في قاعدة بغرام الجوية والذي كان يديره الجنرال جيفري ميلر وهو المعتقل الأمريكي الذائع الصيت لانتهاكه لأبسط القواعد الإنسانية في التعامل مع السجناء
فالغرب الذي يدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان المعولمة بكل منظماته الحقوقية والإنسانية منها منظمة الأممالمتحدة فالحضارة الغربية إذن تعاني من ازدواجية حادة فيما يخص المعايير التطبيقية القيمية عندما يكون المسئول عن تلك الحضارة منظومات سياسية واقتصادية وإعلامية ومالية ترى بأن الآخر الذي لا يدور في فلك تلك الحضارة لا قيمة إنسانية له ويجب تطويعه واستغلاله لخدمة مصالح الحضارة الغربية وفواعلها المحورية ولا يهم إن كان هذا الآخر ذو حضارة عريقة تضرب بجذورها في أطناب التاريخ كما جرى مع الحضارة العربية الإسلامية والتي تعد جذورها إلى الحضارات البابلية والسومرية والكلدانية والأكادية حيث مهد الحضارة الإنسانية حيث تم بناء مدينة أور العراقية التي كانت أول مدينة مهيكلة ومنظمة ولها قوانينها ونظمها الخاصة وذلك في الإدارة والزراعة والتجارة حسب إجماع الكثير من الباحثين والمفكرين في علم الأنثروبولوجيا البشرية وعلم الآثار. وبالتالي فلا يحق للغرب إذن بأن يدعي الشرعية التاريخية المستمدة من الحضارة الإغريقية للهيمنة على دول العالم كما يحاول أن يفعل حالياً مع جود تكتلات حضارية بدأت تتشكل تدريجياً تحاول أن تتصدى لهذه الهيمنة الغربية المتوحشة التي يرفضها الكثيرون.