بقلم: فوزي حساينية - المحاولات والجهود الحثيثة التي تبذلها بعض الشخصيات السياسية في بريطانيا منذ مدة بهدف الوصول إلى تنظيم استفتاء ثان حول مسألة مغادرة بريطانيا للإتحاد الأوربي البريكست على أمل إلغاء نتائج الاستفتاء الأول الذي كانت نتيجته لصالح المُغادرة تُرينا بوضوح أن الديمقراطية قد تقود إلى قرارات في غير صالح الأمم... - لقد تبين للبريطانيين ساسة ومواطنين أن مسألة الخروج من الإتحاد الأوربي ليست مسألة صعبة فقط يمكن التعامل مع صعوباتها بل اتضح أن البريكست قد تكون له تداعيات كارثية على بريطانيا اقتصاديا واجتماعيا ولكن أيضا سياسيا وثقافيا وتأكد بوضوح أن بريطانيا ليست عاجزة على تحمُّلِ مسؤولية مغادرة الإتحاد فقط بل إنها لا تملك الإرادة الكافية لذلك كما أنها لا تتوفر على أية إستراتيجية حقيقة للخروج وما بعد الخروج لذلك تحاول الحكومة البريطانية إنقاذ ما يمكن إنقاذه والحصول على أفضل اتفاق ممكن وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل إصرار الدول الأوربية الأساسية في الإتحاد الأوربي على عدم إعطاء بريطانيا امتيازات كانت تتمتع بها عبر عضويتها في الاتحاد وإصرارهم أيضا على أن تدفع بريطانيا ثمنا مناسبا مقابل الخروج المنتظر. - ولذلك فإنه ورغم مايبدو من إصرار الحكومة البريطانية على المُضي في مفاوضات البريكست إلا أن العديد من التقارير تشير إلى أن هناك مايشبه الندم العام على الاستفتاء الذي جرى تنظيمه وأفضى إلى الموافقة على الخروج من الاتحاد الذي طالما نظرت له شرائح واسعة من البريطانيين- الإنجليز- على أنه مسألة أمر واقع أكثر منها مسألة انتماء مرغوب كما تشير التقارير إلى أن عددا من الساسة البريطانيين ومنهم رؤساء حكومات سابقين يبذلون مساعي كبيرة قد تؤدي إلى تنظيم استفتاء ثان من شأنه أن يصحح خطأ الاستفتاء الديمقراطي الأول والذي اتضح أنه لا يخدم مصالح بريطانيا لا مع جيرانها الأوربيين ولا مع شركائها عبر العالم والملاحظ أن عددا من المسؤولين الأوربيين يدعمون هم أيضا فكرة تنظيم استفتاء جديد ولذلك فإن مسألة تنظيم استفتاء آخر حول البريكست وإن لم تتأكد بعد فإنها لم تُستبعد كذلك ومما يُرجِح الدفع باتجاه تنظيم استفتاء جديد هو الرغبة المُلحة والضرورية لمعالجة احتجاجات الإسكوتلنديين الرافضين أصلا لفكرة مغادرة الإتحاد الأوربي وكذا التخلص من مشكلة الحدود الايرلندية التي ستكون حادة ومزعجة في حالة الخروج هذا على الصعيد الداخلي للمملكة المتحدة أما على الصعيد الأوربي فإن استفتاء ثانيا يلغي نتائج الاستفتاء الأول ستكون عملا مفيدا على صعيد وقف أية محاولات جديدة تخص تنظيم استفتاءات مشابهة خاصة في إيطاليا التي يوجد بها تيار متصاعد ضد الاستمرار في عضوية الإتحاد الأوربي. - الديمقراطية إذن مكسب عظيم لكن الأمم في ممارستها للديمقراطية قد يحدث أن تظل الطريق أو حتى تتصرف ضد مصلحتها كما اكتشفنا من خلال تجربة الاستفتاء البريطاني وكما نكتشف يوما بعد آخر من خلال قيام الكثير من البرلمانات عبر العالم بشرعنة المثلية الجنسية وزواج المثليين بحجة تعزيز حقوق الإنسان ولو عبر الاعتداء على الفطرة الإنسانية في أخص خصوصياتها أعني التزواج بين ذكر وأنثى وهو ماينطبق على عالم الحيوانات التي لا تعرف ظاهرة المثلية الجنسية في حين يتجرأ الإنسان على شرعنة ما يتعارض مع فطرته ولذلك فإننا عندما نفكر في بناء الديمقراطية علينا أن نفكر أيضا في الآليات التي تعصمنا من مخاطرها سواء السياسية أو الأخلاقية. وثمة سؤال: ماذا لو أن استفتاء ثانيا حول البريكست في بريطانيا أفضى إلى تأكيد نتائج الاستفتاء الأول ولم يلغها ؟ عندها سنكون أمام أحد أكثر فصول التاريخ إثارة ودرامية..وستكون التداعيات بريطانيا وأوربيا ودوليا بعيدة المدى.. * متصرف مستشار بمديرية الثقافة لولاية قالمة