الشيخ: قسول جلول في هذه الأيام ينشط تجار الفتنة و يتصيدون الصور والفيديوهات المفبركة والكلمات المتقاطعة ويبنون عليها أحكاما واتهامات لأشخاص ولهيآت ولجهات للطعن في شخص ما في عرضه يتهمون الناس كأنهم فتحوا قلوبهم وعرفوا نياتهم . فهؤلاء الله مطلع على نياتهم ماذا يريدون من نقل هذه الصور والفيديوهات والكلمات المتقاطعة ؟ هل يريدون الإصلاح ؟ هل يريدون النصح ؟ هل يريدون الدعوة إلى الله ؟ هل يريدون النهي عن المنكر ؟ أم ينهون عن المنكر بمنكر أكبر منه يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلتمسون الأعذار والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إلتمس لأخيك سبعين عذرا...) فالمؤمن يُؤول الكلام ويحملُه على النية الحسنة وكلنا نعرف بان الجزائريين يتميزون بدعابة الكلمة والنفوس المرحة والضحك والمرح وروح الفكاهة وهذا سلوك اجتماعي يرتبط بالإنسان وقد اعتبره البعض فنًّا ابتدعته النفس البشرية لمواجهة ما في حياتها من شدة وقسوة وحرمان وإسلامنا دين عظيم لا يصادر الفطرة البشرية وحاجة الإنسان إلى المرح والضحك والانبساط بل على العكس يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة ويحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشة ويكره الشخصية المكتئبة المتطيرة التي لا تنظر إلى الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود. وأسوتنا في ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان - رغم همومه الكثيرة والمتنوعة - يمزح ولا يقول إلا حقًّا وكان بسّامًا وكان لايحدث بحديث إلا تبسم وكان يحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم. وفي مرة أخرى وجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له: ادع الله أن يدخلني الجنة فقال لها: ((يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز)) فبكت المرأة حيث أخذت الكلام على ظاهره فأفهمها - صلى الله عليه وسلم -: أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا بل شابة حسناء وتلا عليها قول الله تعالى في نساء الجنة: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة: 35 _ 37 لو قالها الآن لأقتطعوا هذا الحديث ((يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز)) وبنوا عليه أحكاما يجعل الحليم حيران وكثير من مشايخنا ومسؤولينا يغلب عليهم الدعابة في الكلام لإشاعة السرور والبهجة في حياة الناس فالحياة رحلة شاقة حافلة بالمتاعب والآلام ولا يسلم الإنسان فيها من المصائب والمشاق والبلايا التي تعكر صفوها ولهذا كان الناس في حاجة إلى مواقف ومحطات للترويح تخفف عنهم بعض عناء رحلة الحياة وكان لا بد لهم من أشياء يروحون بها عن أنفسهم حتى يضحكوا ويفرحوا ويمرحوا ولا يغلب عليهم الغم والحزن والنكد فينغص عليهم عيشهم ويكدر عليهم صفوهم ومن هذه المحطات الفكاهة والمرح وكل ما يستخرج الضحك من الإنسان ويطرد الحزن من قلبه والعبوس من وجهه والكآبة من حياته فهو من الفطرة السليمة. لكن عند بعض الناس منعوا الكلمة الحانية التي تدخل إلى القلوب فتصلحها وجعلوا همهم من ذلك وغايتهم هو يحرفون الكلم والصور سواء هذه الكلمة قالها قاصدا أو كناية أو أخطأ . فإذا تبسم لماذا تبسم ؟ وإذا لبس لماذا لبس ؟ وإذا مشى لماذا مشى ؟ وإذا تكلم مازحا ...لماذا تكلم ؟ فاحذروا هؤلاء المتربصين بكم ...؟ فلقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان في خير قرون الأمة يضحكون ويمزحون اقتداء بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - واهتداء بهديه حتى إن رجلاً مثل عمر بن الخطاب - على ما عرف عنه من الصرامة والشدة - يروى عنه أنه مازح جارية له فقال لها: خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام! فلما رآها ابتأست من هذا القول قال لها مبينًا: وهل خالق الكرام واللئام إلا الله عز وجل؟ وقد اشتهر بعض الصحابة بالفكاهة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقره عليه واستمر على ذلك من بعده وقبله الصحابة ولم يجدوا فيه ما ينكر برغم أن بعض الوقائع المروية في ذلك لو حدثت اليوم لأنكرها البعض أشد الإنكار. ومن هؤلاء المعروفين بروح المرح والفكاهة والميل إلى الضحك والمزاح: نعيمان بن عمر الأنصاري رضي الله عنه الذي رويت عنه في ذلك نوادر عجيبة وغريبة وقد ذكروا أنه كان ممن شهد العقبة الأخيرة وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها. وقد روى عنه الزبير بن بكار عددًا من النوادر الطريفة في كتابه الفكاهة والمرح قال: كان لا يدخل المدينة طُرفة إلا اشترى منها نعيمان ثم جاء بها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول: هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبها يطالب نعيمان بثمنها أحضره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: أعط هذا ثمن متاعه فيقول: ((أولم تُهده لي؟)) فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه ولقد أحببت أن تأكله يا رسول الله! فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه. فالإسلام يحض المسلم على أن يكون آلفا بساما مرحا خلوقا كريم الخصال حميد الفعال حسن المعشر. ولا مانع من أن يجمع المسلم مع الجد _ الذي يسعى إليه - روح الدعابة وفكاهة الحديث وعذوبة المنطق وطرافة الحكمة. فلا أحد يمكنه الاستغناء عن ابي هريرة رضي الله عنه لأن أبي هريرة كان سباقا لنقل الأحاديث الدالة على النظافة والحث عليها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقدرأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس رواه مسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان متفق عليه. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه (متفق عليه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اتَّقوا اللَّاعنين) قالوا: وما اللَّاعنان يا رسول الله؟ قال: (الذي يتخلَّى في طُرُقِ النَّاس أو في ظِلِّهِمْ). رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِلَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاة ) رواه البخاري قد يفهم من كلامي ...كما فهم المؤولون من كلام من قال عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضى الله عنه وأرضاه بأنني ندافع عن ؟ لا ولكن على المؤمن أن يلتمس الأعذار وأن يُفهم مقاصد الكلام ومدلولاته فقد يكون أبى هريرة أحب الناس إليه مما يحبونه هم ويزعمون أنهم يدافعون عنه ....