تقيم بغزة ومحرومة من زيارة بلدها ** طال حصار قطاع غزة ومن ضحاياه كذلك سكان غير فلسطينيين. من هؤلاء مغتربات عربيات متزوجات من فلسطينيين خسرن احتمال زيارة الوطن الأم وقد استعرض موقع العربي الجديد بعض النماذج عنهن ومنهن سيدة جزائرية تتواجد بغزة منذ زواجها بفلسطيني قبل أكثر من ثلاثة عقود لم تزر الجزائر خلالها سوى مرة واحدة. يتحكّم معبر رفح بحركة الفلسطينيين الرئيسية من قطاع غزة وإليه طوال سنوات الحصار. هذا المعبر لا يفتح إلّا للحالات الإنسانية الطارئة مرة كلّ شهرين أو ثلاثة. ربما ينظر القيّمون عليه إلى أنّ حالة المغتربات العربيات المتزوجات في قطاع غزة والمحاصرات مع أهله ليست من الحالات الإنسانية الطارئة تلك. وهكذا علقت هؤلاء النساء وهن من جنسيات مختلفة في القطاع وخسرن فرصة زيارة أوطانهن وحمل أطفالهن للتعرف على تلك البلدان. جميلة مديني (52 عاماً) جزائرية من ولاية الجلفة تزوجت من الفلسطيني نايف الأسد عام 1985 وسافرت معه إلى غزة قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1993. ومنذ ذلك التاريخ تسنت لها زيارة عائلتها مرة واحدة فقط عام 2006 لكنّها عندما عادت إلى القطاع علقت في مدينة العريش المصرية مدة 50 يوماً تنتظر فتح معبر رفح الذي أغلق ثلاثة أشهر بسبب خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. بعد ذلك لم تتمكن مديني طوال 12 عاماً من السفر إلى أهلها في الجزائر لأنّها لا تملك حجة التسجيل في دائرة الحجوزات التابعة لوزارة الداخلية في غزة التي تشترط الحالة المرضية أو المرافقة أو دفع التنسيق للجهات المصرية مبلغ 1400 دولار للسماح لها بعبور رفح. وعلى المقلب الآخر حاولت عدة مرات التقدم للحصول على ورقة عدم ممانعة للعبور إلى الأراضي الأردنية لكنّها منعت من المرور في معبر إيرز الذي يسيطر عليه الاحتلال. وقالت السيدة مديني في تصريح لموقع العربي الجديد : للأسف أعادتني السلطات المصرية العام الماضي من معبر رفح لأسباب لا أعرفها ولا إمكانية لدخول أمي وأشقائي إلى غزة. هكذا ما زلت أحلم برؤية أهلي مع العلم أنّي لا أملك المال لدفع التنسيق للجانب المصري كي أسافر إليهم أو حتى تذاكر الطيران . من جهتها تعيش التونسية إيمان أبو حرير عامها الرابع والعشرين في غزة بعد عودة زوجها عمران الداية الذي كان يعمل في دائرة التعبئة والتنظيم لدى منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة التونسية ليعمل في أحد الأجهزة الأمنية وتوفي في نهاية عام 2015 داخل مخيم جباليا شمال قطاع غزة. هي الآن في الثالثة والستين. أبو حرير وهي من ولاية صفاقس لم تستطع زيارة عائلتها منذ أعوام وهي لا تحمل الهوية الفلسطينية في ظل صعوبات حصول المتزوجات من فلسطينيين على الهوية بسبب الانقسام الفلسطيني الذي عطل هذا الإجراء الضروري للحصول على الخدمات العامة. وتعاني أبو حرير من مرضي السكري والضغط وتتحمل فاتورة أدويتهما في الصيدليات. أولادها الثلاثة عاطلون من العمل وتحصل على راتب زوجها التقاعدي الذي لا يكفيها. وقالت في تصريح للموقع نفسه: ما زلت أملك الأمل في السفر إلى عائلتي في تونس فأنا مشتاقة لكلّ تفاصيل صفاقس. دخلت إلى المستشفى عدة مرات وظروف أبنائي سيئة. أخاف من ألا أرى تونس مجدداً . أمّا اللبنانية ناريمان الرزاينة (62 عاماً) فتعيش في بيت مستأجر داخل منطقة السدرة وسط مدينة غزة مع أبنائها الخمسة بعد وفاة زوجها. جاءت معه إلى القطاع عام 1997 ومنذ ذلك الوقت لم تستطع العودة لزيارة عائلتها وهي تعاني من عدم وجود أي ممثلية لبنانية في قطاع غزة. عانت الرزاينة من اختلاف الطباع بين مجتمع قطاع غزة والمجتمع اللبناني. الأزمات الاقتصادية والحصار منعا زوجها من العلاج في الخارج ليموت عام 2009. تقول: عندما جئت إلى غزة وجدته مجتمعاً جميلاً لكنّه لا يحظى بانفتاح المجتمع اللبناني. بدأت أتأقلم بالرغم من كلّ الظروف لكنّ الظروف السياسية والاقتصادية ساهمت بتدمير كثير من العادات والتقاليد الجميلة إلى جانب الفقر الذي لم يترك بيتاً. بتّ أحلم كلّ يوم بالعودة إلى وطني لبنان فراتب زوجي التقاعدي يذهب أكثر من نصفه لإيجار البيت والبقية لتأمين الأكل البسيط . لطيفة إدريس (80 عاماً) لبنانية كذلك لكنّها لم تزر بلدها منذ عام 2000 عند الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان عبر مطار غزة الدولي الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي في ديسمبر من عام 2001 . وحتى اللحظة تملك الأمل في أن تزور لبنان مجدداً وقد حاولت ذلك عدة مرات من خلال التسجيل في معبر رفح ولم يسمح لها بالسفر نظراً لعدم حملها الهوية الفلسطينية أو أيّ وثيقة لبنانية. سافرت إدريس لتعيش في غزة مع زوجها عام 1994 لكنّه توفي عام 2004. تقول: معبر رفح تنتهي الأحلام أمامه وأشعر أنّ الطريق إلى قبري أقرب من معبر رفح لكنّي أريد أن أدفن في لبنان إلى جانب قبر أمي ففي غزة لم يبقَ لي أحد غير ابني المريض وابنتي في بيت زوجها .